قتامة العنف
فاطمة الشيخ محمد الناصر
تعَدُد الأسباب للعنف لا يخولنا أن نعطي المعتدي أي مبرر أو أدنى تعاطف، لكن من زاوية أخرى يطرحها بعض الباحثين في قضايا العنف من باب التأكيد أن هناك جوانب قاتمة من بيئة الأفراد تكَّون لنا كائنات فاقدة للأخلاقيات الانسانية، وكل تلك الدراسات أو البحوث التي أُثيرت حول أسباب العنف ونتائجها على المعتدى عليه، ناجمة عن حيرة لامست الوجدان البشري، لما بعض البشر يميلون إلى العنف؟ هل السبب وراثي أم مكتسب؟ كيف يمكن للبعض أن يفقد قدراته العقلية حال الكراهية ليتولد لديه نوازع شريرة؟ والكثير من التساؤلات التي لم يجد لها الباحثين سببا مقنع لذلك التصرف الخارج عن المعقول.
فالبشر يملكون عقولا، يمكنهم من خلالها التفكير والتحليل والبحث والتقصي والتعرف والكثير من الامكانيات التي لا يملكها الحيوان رغم أنه أيضا يملك عقلا وحين نتحدث عن الحيوان ليس استهانه به أو الحط من عقل البشر، إنما لأنه الرفيق المتواجد غالبا بالقرب، ومنه يتعلم البشر سواء يستوحي من تلك الكائنات أو يتعلم منها شيئا، ونجد ذلك الضرب من الأمثال والقصص موجود في آيات الله، لذلك التدقيق في السلوك البشري وتوجيههُ نحو الطبيعة المسالمة دعت إليها جميع الشرائع الدينية والمبادئ الانسانية.
ولأن العنف طال السيدات بشكل كبير وعنيف في كل أنحاء العالم، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدها والذي صادفنا يومه منذ أيام، ولا يمكننا حصر العدد الذي تتعرض له السيدات من العنف الجسدي أو اللفظي لكثرتها وتنوع أحداثها، لكن يمكن من خلال ما نصادفه في حياتنا اليومية أن ندرك تواجدها بشكل صريح وعلني، كأن تتعرض بعض السيدات خلال العمل التهكم اللفظي واستصغار انجازهن للحط مكانتهم هذا شيء بسيط في مجال العمل وقد تعرض قصص أكثر من هذه في مواقع التواصل، أيضا من خلال التصوير المرئي لحوادث سيارات لبعض السيدات نجد البعض يتلفظ بعبارات مشينة وغير مراعية للذوق العام، رغم وجود العقوبات الصارمة لمن يصور تلك الحوادث.
والبعض يمنع ويقمع نساء بيته من التعليم أو العمل أو تحقيق بعض الطموحات وقد تصل المسألة الجبر على الزواج أو أخذ أموالها عنوة من إرث أو راتب عمل والعديد من القصص التي لو نتوقف عندها يلزمنا الكثير من التأمل، عموما حين نذكر العنف لأشخاص فنحن نتحدث عن بعض النماذج ولا نعمم، وحين نحاول أن نتعرف على حقيقة العنف التي تطفح من كوامن البعض ضد نسوة حققن بعض المساعي الطبيعية لدورهن في الحياة فهن نصف المجتمع إذا اختل هذا النصف أو أصابه العطب الفكري و النفسي، فمن البديهي نجد جيلا يتربى على معطيات مغلوطة حول رؤيته للمرأة، لأن من ربته أيضا سلبت الكثير وهيئت على النموذج الذي يتوافق مع بيئة تقليدية بعيدة كل البعد عن ادراك مكانة المرأة في الاسلام بالصورة الصحيحة، اذا إن العنف النابع من البعض له دور كبير بالبيئة الحاضنة له.
وحتى نزيل تلك القتامة التي تشبع بها الأفراد بدرجات متفاوتة على مر سنوات من أعمارهم، نحتاج إلى رفع سقف الوعي في البيئة الحاضنة بدأً من المنزل إلى المدارس ويتبعها في ذلك القطاعات الأخرى، زرع ثقافة المرأة جزء مشارك في تطوير المجتمع سواء داخل المنزل أو خارجه، تصحيح المفاهيم التي تنشئ جيلا يجد المرأة “عورة” أو “خطيئة” أو “مخلوقة من ضلع أعوج” وغيرها الكثير، وأن نساهم في نشر القضايا التاريخية التي تبرز تعامل رسول الله مع النسوة بشكل أكثر دقة ودورهن، فمجتمع يتربى تربية اسلامية حقيقية وواعية سيكون بعيدا عن أي نوع من العنف.