عِناق حُلم
قصة قصيرة: مريم الحسن
هل أخطأت عندما قررت أن أقترن برجل في عمر والدي؟
برغم نظرات الاستنكار والدهشة من الجميع لموافقتي المتسرعة، كهاوٍ تسلق جبلاً ليرمي بنفسه من عليائِه ظناً منه بأنه سيتعلق (بالحبال) لتحميه من الارتطام على الأرض، يبقى هائماً في الهواء سابحاً مع الريح، تخذله ظنونه فيسقط هاوياً متناثر الأشلاء.
قلب والدتي الرؤوم ينعصر ألماً، شعورها القاتل بسرقة جوهرتها الثمينة كاد أن يطغى على حواسها، تمنت لو تصدر منها صرخة اعتراض لتكتم صوتي، لكن خوفها من أبي أخرسها وأحكم وضع الغطاء على بخار غضبها فكتمه ومنعه من التسرب ونشر رذاذه بيننا.
بينما تلوح الابتسامة على شفتي والدي الذي وضعها أمام الأمر الواقع بعد أن أنهى خطبتي على أعز أصدقائه وأقربهم إلى قلبه، وأغراني بالقبول والرضا، لكنه لا يعلم أني أرسم مستقبلاً حافلاً لتحقيق رغباتي، فأنا موقنة أني لن أمسك بطرف الخيط طالما أعيش في هذا المنزل الذي يضم أسرة محافظة، ملتزمة ، للذكر فيه حق في الكلمة ،أما نحن فمسحوقة حقوقنا سحقاً، كغيمة سوداء، تحتقن بكتل ثلج رمادية لا لون فيها ولا حياة، ترغم على هدر أمطارها في أرض جرداء خالية من البذور، كهذا الرجل الذي يفرضه علي والدي، تلك الورقة الجافة الآيلة على السقوط، التي لا حياة فيها ولا روح.
أومئ برأسي موافقة أمام الجميع، وعقلي المخدر بما ستهبه لي هذه الزيجة يرسم لي طريقاً معبداً سأغدو إليه.
بعد أن أتعدى الهضبة المليئة بالشوك، وأتجاوز حفرة النار التي رُميت فيها شقيقاتي؛ لتحترق كل آمالهن وتدفن فيها أحلامهن.
هناك زاوية في عقلي الباطن، يجب أن أحركها بذكاء..
كيد ..
مكر..
فليكن طالما تهوى نفسي الهرب من واقعي المر، وأمنيها برغد العيش والحياة اليسيرة الكريمة، مع هذا الرجل سأمضي إلى حيث تطيب نفسي للعيش بحرية وثراء يدثرني به، ينقلني نحو النجوم، أتلألأ معها، هو المأوى هو الكنز الدفين، هو نقطة الانطلاق للإبحار في بحر الحياة الصاخب ، به سأنغمس في ملذات الدنيا، سأرتقي عتبات الزمن، سأضحك على شيبته .. وبدوري .. ستضحك لي الدنيا ..!