الشيخ النمر.. كمال الإنسان في حيائه
رقية السمين _ الدمام
استكمل الشيخ عبد المحسن الطاهر النمر في مسجد الرسول الأعظم بحي الدانة، خطبته حول درجات الحياء الذي هو قوام البشرية وركن من أركان منظومتها الأخلاقية، معبّراً عنه بأنه آخر الحصون التي تصون قيمة الإنسان وأقواها.
وقال: “إن صفة الحياء من أكمل ما خص الله به الإنسان من بين سائر الموجودات، والحصن الحامي في مواجهة الانحرافات، والطريق الأكيد لبلوغ التكامل الوجودي والعرفاني للبشرية”.
ونبّه إلى أن الإنسان مطبوع على الاعتزاز بذاته ورتبته الاجتماعية ومواقفه، الأمر الذي قد يجره إلى التعنت والتسلط والجبروت وانحساره من المبادئ التشريعيه و الانسانية، ما لم يتحلَّ بفضيلة الحياء.
وأبان أن حياء الإنسان من بني جنسه يدفعه للاستقامة، سعياً لحفظ مكانته الاجتماعية، كونه لا يقبل أن يكون ساقطاً في أعين الناس، مستشهداً بقول أمير المؤمنين عليه السلام من “كسا الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه”.
و برهن الشيخ النمر أن حياء المؤمن من نفسه يرفع من قيمته الوجودية المتسامية عن الانحطاط إلى مستوى البهيمية و وسيلة التهذيب الأعمق والأشد تأثيراً فيه، استدلالاً بقول أمير المؤمنين (ع) “أحسن الحياء استحياء المؤمن من نفسه”.
و أردف قائلاً : “مثل هذه النفس المهذبة ستوصل الإنسان إلى حالة من الكمال والجلال، وتضمن ارتقائه التكويني، فالحياء من الله يتحقق بعنصرين؛ أولاهما: إدراكه عظمة الخالق وقدرته وكرمه الذي لا حد له، وثانيهما: إدراكه حضور الله عز وجل في كل آن ومكان.
كما استشهد بقوله تعالى “مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ” و قوله تعالى “وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ”، فـ التفات العبد إلى حضور الرقابة الإلهية حتى في أدق مشاعره التي تخالجه ستصنع درعه الأقوى لحفظه من الزلل والخطايا التي يتعثر بها في طريق مسيرته التكاملية”.
وختاماً أشار الى اقتران الحالة العبادية بالحياء في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في استقالته من الذنوب، : “إِلهي لَوْ بَكَيْتُ إِلَيْكَ حَتّى تَسْقُطَ أَشْفارُ عَيْنَىَّ، وَانْتَحَبْتُ حَتّى يَنْقَطِعَ صَوْتي، وَقُمْتُ لَكَ حَتّى تَتَنَشَّرَ قَدَماىَ، وَرَكَعْتُ لَكَ حَتّى يَنْخَلِعَ صُلْبي، وَسَجَدْتُ لَكَ حَتّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتاىَ، وَأَكَلْتُ تُرابَ الاَْرْضِ طُولَ عُمْري، وَشَرِبْتُ ماءَ الرَّمادِ آخِرَ دَهْري، وَذَكَرْتُكَ في خِلالِ ذلِكَ حَتّى يَكِلَّ لِساني، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفي إِلى آفاقِ السَّماءِ اسْتِحْياءً مِنْكَ، مَا اسْتَوْجَبْتُ بِذلِكَ مَحْوَ سَيِّئَة واحِدَة مِنْ سَيِّئاتي” مؤكداً بذلك إن العبادات لاتحقق إلا بالحياء من الله سبحانه وتعالى.