جزاء الصابرين
أحمد الهبدان
يولد الإنسان ويأتي إلى هذه الحياة الدنيا، و لابد أن يرحل عنها يوماً ما، فكما ذاق طعم الحياة وتنعم بلذاتها سيذوق حتماً ألم الفراق الموت وسكراته ﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ﴾ آل عمران ١٨٥.
بين المجيء والرحيل عمر مديد أو قصير، تتقلب فيه حال الإنسان من سعادة إلى حزن، من فرح إلى ترح، من حال إلى حال، فلا السعادة باقية ولا الأحزان دائمة، وكما قال الإمام الحسين (ع) في خطبة له يوم العاشر من المحرم (فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته).
في كل يوم يواجه الإنسان -خاصة المؤمن- أنواعاً من المصائب، وأشكالاً من الابتلاءات، وحزماً من المحن، ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم محمد(ص) قوله: “أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل”.
ولكي نتقي سهام الابتلاءات والمصائب التي نواجهها، نحتاج إلى دروع من الصبر والحكمة، والرضا بقضاء الله وقدره، والإكثار من قول (إنا لله وإنا إليه راجعون) لكي ننال البشرى من رب العالمين.
الآية ١٥٥ من سورة البقرة، تشير إلى أنواع الابتلاءات ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾، وتختمها ببشارة للصابرين، ﴿الَّذينَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ قالوا إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعونَ﴾ البقرة ١٥٦، وتصف حالهم أثناء تلقي المصيبة وفور حدوثها ونزولها عليهم، أنهم يلجأون إلى الله بترديد “إنا لله وإنا إليه راجعون”، لكن لابد أن تكون فوراً وحالاً من القلب وليس قلقلة باللسان، كما يؤكد أهل العرفان، لكي يحصل الإنسان المُبتلى على البشارة من الله.
ماهو أجركم وجائزتكم من الله، أنتم يامن حلت بكم المصائب والمحن وقلتم “إنا لله وإنا إليه راجعون”، الآية التي بعدها من سورة البقرة رقم ١٥٧ تجيب على تساؤلاتكم بالقول ﴿أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ المُهتَدونَ﴾، ما أعظمها وأكبرها من بشارة وجائزة من رب عظيم وكريم، ختامها مسك بوصفها لهؤلاء الصابرون بأنهم هم المهتدون.
أنت وأنا وهي وهم وجميعنا معرضون في هذه الحياة للبلاء، فحال الدنيا كما وصفها الشاعر بقوله:
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدُها-صفواً من الأقذاء والأكدار
إن اتباع ماورد في القرآن الكريم، وماجاء به النبي الأكرم محمد وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) كافيان لمواجهة تقلبات أحوال الدينا وبلائها، وكفيلان بأن نجتاز العقبات ونتخطاها، لننال الثواب الجزيل والجميل من رب العالمين.