العلامة النمر.. استعدوا لموسم النفحات الربانية
سلط الشيخ عبدالله الطاهر النمر الضوء على واقع الإنسان المعاصر، وخضوعه لثلاث قوى تركسه في مهاوي الردى، وهي: الشهوات، والإستهلاك، والانفتاح الفكري، قائلا:(فالشهوات والملذات التي تأخذ بتلابيب قلبه، والثقافة الاستهلاكية تهجم عليه بأساليب الدعاية والجذب حتى وهو مكتف ومتخم، لتثير فيه أشكال الرغبة).
وقال مسترسلاً في ذات السياق( الانفتاح الفكري المطلق المليء بالتشكيك على مستوى الدين والمذهب والعقيدة، بشكل أطروحات وبحوث مصطبغة بالصبغة العلمية وهي صرف هراء، تربك الفكر، وتسلب الإنسان سلامه النفسي واستقراره، وتسبب له حالة من القلق والاضطراب).
كما نبّه إلى أن حالة الاضطراب وفقدان السكينة بلاء عام لم يسلم منه حتى الموالين المؤمنين، فضلا عن المجتمعات الأخرى. وقال: (إن مرارة هذه الواقع المضطرب المربك تدفع الإنسان إلى الثورة عليه، وتبعث فيه الحاجة إلى التوجه إلى الله وتجديد العلاقة معه تعالى، ومع الوجود بأسره).
بعد أن استهل خطبته ليوم الجمعة بمسجد الرسول الأعظم قائلاً :(في أيام مولاتنا السيدة الزهراء عليها الصلاة والسلام وأجواء ميلادها، وحيث تفصلنا أيام قلائل عن ظرف زمني استنثنائي وهي أشهر الله العظيمة رجب وشعبان وشهر رمضان المبارك؛ حري بنا أن نتلمّس يد الله وعطاياه في هذه المواسم، علنا نتعرض لنفحاتها الربانية).
وبين من منطلق قوله تعالى؛ {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ * وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:٣٣-٣٦]).
أن (أقسى أشكال العقوبة هو الإهمال وقسوة القلب وجمود العين، ولولا رحمة الله وعنايته لوهب الناس كل ما يريدون، ولجعل للذين يكفرون بالرحمن بيوتا سقوفها من فضة وزخرفا ومتاعا وسررا ومعارج.. ولكانوا (أمة واحدة) في التيه والضلال، لكن رأفة الله عز وجل ولطفه بعباده أنه لا يؤاخذهم بما كسبوا ولا يتركهم يسترسلون في متاهات الهوى والضلال وغياهب الغفلة والنسيان).
وأكد على أن البلاءات هي في الواقع هدايا من الله، مهما بدت لطائف الله بنحو من الألم (ولكن من لطف الله عز وجل أن يجذب الإنسان بالمحن، ويراوده بالبلاء تلو البلاء، وتلك خصوصا من كان عنده استعداد وقابلية، فإن الله يعجل له العقوبة، تربية له وتنبيها وإرشادا).
وانعطف إلى الحديث عن التساؤلات الكونية الفلسفية المقلقة، التي لا يستقر الإنسان إذا تجاهلها وانشغل عنها بملذاته، وأن هذه الأسئلة (من أين وإلى أين وفي أين) تبقى شعلتها تقلق النفس مهما خبت. (وهي أسئلة أكثر ما تنتاب الإنسان في حالات خوفه ومرضه وجوعه، وما لم يجد لها إجابات واضحة بينة قوية محكمة بعيدة عن التخريص والتظني والتشويشات فلن يستطيع أن يواجه بنجاح تلك الصعوبات والابتلاءات. فالأبدان مهما شبعت وتنعمت وترفهت يبقى مصدر إطمئنان الإنسان الوحيد هو ذكر الله {.. أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].
وأوضح أن سلوك الإنسان في حياته ومع أسرته لا يستقيم ما لم يستقر روحيا ويأوي إلى ركن وثيق، وقدرة جبارة، ويفهم أن هذا الكون بموجوداته يسبح الله معه، ومسخر لخدمته. (والخطوة الأولى هي أن نشعر بما نحن فيه من نقصان وألم بسبب البعد عن الله، لتستيقظ فينا النفس اللوامة، نرجع إلى الله عز وجل بالتوبة. لقد هيأ الله عز وجل للإنسان أسباب التوبة والرجوع إليه في هذه الأيام، وإن كانت أبوابه مفتوحة في كل الاوقات، ولكن في هذه الأوقات تكون النفحات والعطايا الإلهية كثيرة وعميمة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فَتَعرَّضوا لَها”).