أقلام
نفرح به.. فهل يفرح بنا
هاشم الصالح – الأحساء
” ….. أيّها النّاس أنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة”.
كلنا نفرح بقدوم شهر رمضان، الصغير يفرح به قبل الكبير، حتى غير الصائم يفرح بقدومه. هو يقبل علينا كما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاملا معه ثلاث نعم عظيمة:
أولها: يقبل علينا هذا للشهر بنعمة البركة، ويالها من نعمة عظيمة. الإنسان يسأل الله المال والأولاد والصحة والبيت الواسع والجاه الرفيع، ولكننا ننسى أن نسأل البركة، مع أنه لا خير في مال لا بركة فيه، ولا خير في دار واسعة تضيق فيها النفوس وتسكنها الهموم والمشاكل.
“وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ”
فرْقٌ بين أن تملك شيئا، وبين أن تُطرح البركة في الشيء الذي تملكه.
فالبركة هي الاستدامة. والنعمة المباركة هي نعمة مستدامة، تترك أثرها الطيب على الإنسان حتى بعد زوالها.
البركة هي استدامة هذا المال، وهذه الصحة، وهذه الدار… فقد يحصل الإنسان على مال كثير، لا بركة فيه، بل كثرته قد تحوله من نعمة إلى نقمة. كم من مال قد جلب معه الهموم والمشاكل والمتاعب.
وقد يكون هذا المال سببا في ضياع هذا الإنسان وهلاكه وضلاله.
فالشعور بالغنى قد يوقع الإنسان في الغطرسة والتكبر والاعتداء على الآخرين، اعتقادا منه بأن كثرة المال قوة وسلطة تبرر له فعل ذلك.
{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ}.
وقصص المال الخبيث كثيرة في الحياة، فالغنى الحميد غير الغنى الخبيث {.. وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
ثانيا: يقبل علينا هذا الشهر بالرحمة. فالله يريدنا أن نتراحم في هذا الشهر الكريم. وإذا كان الله قد وسعنا ووسع كل هذا الوجود بالرحمة؛ فحياة منزوعة منها الرحمة هي شقاء. {.. وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً..}.
فبالرحمة تتسع نفوسنا وصدورنا، وعندها تقل خلافاتنا ويعم السلام.
ثالثا: يقبل علينا بالمغفرة. الله تعالى أراده أن يكون شهر المغفرة، ولكن لمن يعرف أن يغفر لغيره.
ولا عذر لأحد، فمن أراد مغفرة الله فليمارس في هذا الشهر الكريم ثقافة العفو والصفح والمغفرة، مع من عنده عذر ومع من ليس عنده عذر.
هو شهر المغفرة، وأهل السماء يستغفرون لمن يغفر. {.. وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
يحق لنا أن نفرح ونفرح بقدوم هذا الشهر الكريم، ونتطلع إلى السماء لتمنحنا بركاته ورحمته ومغفرته،
ولكن السؤال المهم هو: هل سيفرح بنا هذا الشهر؟
لكل مفهوم مصاديقه، ومصاديق فرح هذا الشهر الكريم كثيرة ومتعددة، منها:
1- هل ستفرح أجسادنا بقدوم هذا الشهر، إذ الصوم راحة للبدن، “صوموا تصحوا”.
إذا حولنا هذا الشهر إلى مهرجان مفتوح للأكل والشرب فهو بالتاكيد سيكون شهر حزن ومصيبة لأبداننا.
لو كنا نسمع ما تتحدث به أبداننا في هذا الشهر لسمعنا صراخ وعويل بطوننا، وهي تولول لكثرة ما نرسل لها من طعام. أما البنكرياس فهو يلطم وجهه ويشد شعره لكثرة ما نلتهمه في هذا الشهر من حلويات.
2-هل ستفرح به أرواحنا؟ فهو شهر الأرواح قبل الأبدان.
إن فلسفة الانقطاع عن الأكل والشرب هي منح أنفسنا فرصة روحية لتأمل القيم والمعاني الربانية. هذا الشهر فرصة للروح أن تسمو، وأن تشرق بنور ربها على كل وجود الإنسان.
أما إذا جعلنا هذا الشهر فرصة للانغماس في المتع واللهو غير النافع فستخرج الروح من هذا الشهر وهي موحشة وأكثر ظلمة.
3- هل سيفرح بنا أهلنا ومجتمعنا؟ هل سيجدوننا أكثر هدوءا وتسامحا وصفحا وتجاوزا للأخطاء؟
وهل سيفرح بنا المجتمع لأنه سيجدنا نتعبد الله في هذا الشهر بالتقرب إليهم بالحب والمودة والسعي لقضاء حوائجهم؟
فشهر رمضان هو شهر الحب، وهو شهر تربية، ندرب فيه نفوسنا على الخير والأخلاق الحسنة.
أما إذا وجدوا منا العكس؛ مودة غائبة، وعبوس في الوجه، وضيق في النفوس، وتقلب في المزاج، فسينقلب هذا الشهر من شهر فرح إلى شهر حزن وكآبة عليهم.
4-هل سيفرح الفقراء والمساكين بنا في هذا الشهر الكريم؟ هل سيكون لهم حق عندنا ونصيب في أموالنا؟ {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
فالإنفاق على الفقراء والمساكين هو واجب في هذا الشهر، وهو رد لهذا الحق، وهل هناك عمل أفضل في هذا الشهر الكريم من رد الحقوق!
أخيرا شهر رمضان المبارك هو شهر سلام “والشياطين فيه مغلولة”.
فإذا كان الله قد تكفل بحبس الشياطين في هذا الشهر الكريم؛ فعلى الإنسان أن يكون شديد الحذر من نفسه لئلا تكون هي شيطانه. {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فكل من لا يرحم ولا يغفر فهو من شياطين هذا الشهر.
*رمضان كريم علينا جميعا*