الحرية السجالية
فاطمة الشيخ محمد الناصر
مفهوم الحرية كما يبدو ضائع في الوسط الثقافي والتقليدي، فكل جماعة تعرف الحرية وفق ما يتوافق مع المصالح، لذلك أصبحت الحرية تُعرف بشكل غير مدروس إنما وفق رؤية معينه تخص كل من سعى لتفكيك مفهومها ضمن أسلوب منمق، ولا يخفى على القاريء الواعي أن للحرية مضمون عميق جدا، لم يصل إليه الكثيرين أثناء تحريك أقلامهم إليها، وكما لحظت أن عموم من يكتبون عن الحرية ليسوا أحرارا إنما هم مكبلين بالكثير من المفاهيم المغلوطة أو الآراء المتشددة وغيره.
فالخوض في تعريف الحرية من غير بينة هو البدء بنقطة سديمية تدخل القاريء الواعي في حيرة، نعم يمكن لمن يكتب عنها أن يشير بشكل واضح أنه ما طرحه حول الحرية سجالي وذو ميادين متشعبة لدى الكثير ممن عرفها وفق نمطية الوضع الاجتماعي والديني، من هنا تتضح الصبغة المطروحة للحرية.
اذا الحرية كما يراها البعض حرية فكر أو حرية رأي أو حرية مظهر أو حرية عمل وغيره، وكلها حريات يسعى إليها أي انسان على وجه الأرض، مما يعني أن الحرية مبدأ، أي أن الله سبحانه وتعالى خلقنا أحرارا نتخذ خطواتنا من خلال اِعمال عقولنا وجعلنا مخيرين لا مقيدين، لكن في المقابل جعل للحرية مقياسا يمكن للإنسان أن ينظم حركته الحياتية من خلالها، تلك المقاييس تجعل من الحرية طريقا مشذبا وسالكا.
أما وضع الحرية ضمن السكولستيكية أي اغلاق العقل ضمن أطروحات وقضايا تبلورت في حقبة معينة أو ضمن وضع تجديدي يرى الانسلاخ والتناقض والتبديل أساس استثمار الامكانيات، يجعل من الحرية مبدأ بربري.
تقتضي الحرية وعيا مطلقا وليس خرقا للمباديء، إنما الحرية نظاما وانضباطا وسلوكا وأخلاقا، فلا يمكن التعدي على المصالح العامة باسم الحرية كقطع اشارة مرور أو تعدي السرعة المطلوبة أثناء القيادة أو تخريب المرافق العامة من حدائق ودورات مياه أو التجني على الآخرين والتعرض لمذاهبهم وطوائفهم وغيره من السلوكيات الشائنة، كما وجدنا الرسام الكاريكاتير الدنماركي الذي اساء إلى المسلمين برسم النبي محمد بصوة مشية باسم الحرية.
إن القلق الذي ينتاب الكثير من مسمى الحرية لا غرابة منه، فمن يشاهد الحياة الغربية ومنطلقاتها وعشوائيتها يربط تلك المشاهدات بمفهوم الحرية لكن الحرية الاسلامية بخلاف الحرية الغربية السجالية أو الحريات التي يناضل الكثير من الكُتاب الكتابة عنها، إن حرية الإرادة واختيار المكسب ورد ذكرها في عدة آيات قرآنية مرتبطة بمسؤولية الانسان اتجاه اعماله، قال تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ).