أطفالٌ مُودعون في السجون
محمد العيسى
في طفولتي كنت أخرج إلى الشارع أو إلى الحوي (فناء المنزل) لألعب بالزنبور.
وألعب بالطّقة، أو صيد الحمام، وكنت أطلق لقدميّ العنان في فناء المدرسة.
وعندما أتوق للسوالف كنت أخرج للشارع، أو أجتمع في أحد العواير، مع مجموعة من أولاد الفريج للدردشة.
وإذا تاقت نفسي إلى قراءة كتاب كنت أذهب إلى المكتبة العامة.
كانت في حياتي مساحات كثيرة أستطيع أن أنطلق فيها وأستمتع بها.
أتأسّف على جيل اليوم الذي حُرِم من هذه الحرية، ومن هذا الإنطلاق، والمساحات الشاسعة. وأضحى مسجوناً في شاشة لا تتعدى خمس بوصات في خمس بوصات.
في هذا السجن الصغير صار الطفل يجد ألعابه المُحبّبة، ويلتقي بأصحابه للدردشة، وصار يتلقى الأخبار، ويقرأ الكتب، ويشاهد الأفلام، ورغم أن هذه قد تكون ميزة إلا أنها سيئة كبرى، لأن الأب لا يستطيع الآن أن يحرّر طفله من هذا السجن مهما فعل، لأن الطفل صار ينقل سجنه معه أينما أخذه أبوه.
تأخذ طفلك إلى الشاطيء ليستمتع بمشاهدة البحر، ويشم نسمات هوائه العليل فترى طفلك يفضل الجلوس في البيت، وإن خرج معك تراه منطوياً مع نفسه في زاوية، وقد نكّس رأسه في هذه الشاشة.
تدفع طائل الأموال في تذاكر السفر والفنادق لتخرج أطفالك من هذا السجن ولكن لا جدوى.
من المناظر التي أحزنتني في سفرتي الأخيرة أني في كل مرة كنت أغادر الفندق، أو أصل إليه، أجد جميع الكنبات التي في بهو الفندق قد اكتظت بأطفال من مختلف المراحل، وقد اصطفوا بجانب بعضهم، كلٌ يناجي شاشته الصغيرة، وقد غادروا غرفهم لأن قوة الإرسال في البهو أفضل.
هذه السجون و كما سجنت أطفالنا و حرمتهم من فرص كثيرة في الحياة، فإنها وللأسف أخذت تسجننا نحن الكبار أيضاً.
أكتب لكم هذه السطور من سجن الآيفون (٢ بوصة x ٤ بوصة)