الجمعيات الخيرية.. هل تكفي لسد حاجات المجتمع ؟
محمد علي العويد
تلعب الجمعيات الخيرية في المجتمع دورا مهما لا يخفى على أحد. ففي مساعداتها الشهرية وربما الموسمية فسحة أمل لأولئك الذين ضاقت بهم الحياة وأرقهم العسر وقلة ذات اليد لأي سبب.
غير أن الجمعيات الخيرية لها دور محدود ومهام ووجوه صرف معروفة حسب نظامها الرسمي والذي ينضوي تحت المنظومة الرسمية ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية. فكل المساعدات التي تقدم من قبل الجمعيات هي ضمن التصنيفات الرسمية ولا تستطيع أن تتعداها حسب النظام.
هناك وجوه من الحاجة الماسة أحيانا والعوز، يضيق الأفق بأصحابها فلا يجدون من يساعدهم ويأخذ بأيديهم وربما أدى ذلك الى تطور حالاتهم الصعبة الى مراحل خطرة جدا. وفي ظل غياب مؤسسات مجتمع مدني غير الجمعيات الخيرية محدودة الإمكانيات والصلاحيات، ربما تمد يد العون لهؤلاء ستبقى شرائح من المجتمع تحت رحمة الظروف وتبدلها الذي لا يأتي في الغالب إلا متأخرا !
هناك مرضى مثلا، يعالجون في المستشفيات ولكن حالاتهم تتطلب زراعة أعضاء ، وبعضهم في عمر الورد. الزراعة تتطلب إما صبرا وانتظارا لحين الحصول على دور ، أو أموالا طائلة لتدارك الحالة قبل استفحالها وتطور مضاعفاتها.
ومثل آخر، شاب يتوق للزواج فلا يملك ما يساعده على ذلك وربما يكون في مجتمع متكاسل فيصبر، إما متعففا وضاغطا على نفسه تحت الكبت، أو تائها في دروب غير مستقيمة أجبر على سلوكها نتيجة الضغط النفسي المؤدي للانفجار غالبا.
ومثال ثالث لا يقل سوءا ، رجل كان في يوم من الأيام ذو هيبة وذو سمعة ويحظى باحترام الكبير والصغير، فانقلبت به عجلة الزمن لأسباب متعدد ، إما نتيجة خطأ أو تبدل ظروف أو سوء تقدير، فأصبح مدينا ومطالبا بسداد ديون مرهقة لا يستطيع الوفاء بها بنفسه، وفي النهاية إن لم تتداركه الرحمة وأسبابها يجد نفسه في حال يرثى لها وربما غاب عن أهله وبيته الى بيت آخر يزار فيه مرة في الأسبوع!
هذه أمثلة فقط وهناك الكثير من الحالات الصعبة التي يشيب لها الرضيع أحيانا لشدتها.
ولا شك أن المجتمع مليئ بأوجه البر وتدخل الأفراد والجماعات لمباشرة حالات كانت مستعصية فتم حلها بتكاتفهم. كما اننا لا نغفل جهود بعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية لتفقد حالا المحتاجين، ولكن هل نضمن وصول جميع حالات العوز – الاستثنائي- إن جاز التعبير لكل الناس؟. فالمعوزون المتعففون نتيجة الأمراض أو الديون أو أمور الزواج وغيرها أكثر ممن يمدون أيديهم! ويبقى المجتمع الأقرب هو الأقرب لأفراده والأسرع في سد حاجاتهم وستر حالتهم .
والسؤال : في ظل هذا الحراك متعدد الجوانب في المجتمع ، فكريا وثقافيا واجتماعيا، هل يمكننا التفكير في إنشاء جمعيات مرخصة وتحت مضلة القانون تعنى بهذه الحالات، والتي لا تستطيع الجمعيات الخيرية القيام بها ؟ إن ترك الأمور للصدفة وإحسان المحسنين كما أسلفنا يؤدي ببعض الحالات الى مراحل متقدمة تصعب معها المعالجة أحيانا. في حين أن مجتمعاتنا اليوم مليئة بالحوارات وتبادل الأفكار البناءة. أضف إلى ذلك ورغم الضغط الاقتصادي الذي يحصل بين فترة وأخرى، هناك شريحة كبيرة من المجتمع لديها من الإمكانيات ما يمكن التفكير به خارج الصندوق لنفع الناس وإغاثة الملهوف، ودائما طبعا تحت مضلة القانون وتحت أطر وتنظيمات وتشريعات تضمن الحقوق وتدفق الأموال في وجوهها الصحيحة.
ليس شرطا أن يكون تطبيق هذا الكلام بنفس فكرة الجمعية الخيرية ، فالجمعية تقدم أموالا غير مستردة كمساعدات لمحتاجيها. بل يمكن جعل ذلك في جانب منه على الأقل تحت مسمى القرض الحسن، والذي للأسف لم يبق في مخيلتنا الاجتماعية الا اسمه ، في ضل الفكر المادي البحت وتلهف المؤسسات المالية المختلفة لاصطياد محتاج وتقييده بالتزامات أكبر من حجمه.
بل ربما يتعدى دور مؤسساتنا الاجتماعية المقترحة الى الاستشارات المالية والطبية والتوجيه المنظم بدل رحلات الضياع المتكررة والتجارب الفاشلة .
المجال مفتوح حاليا لإنشاء الكيانات ذات الطابع الاجتماعي رسميا ،ويبقى فقط زيادة الشعور بأهمية تلمس أفراد المجتمع لحاجات بعضهم البعض وعدم ترك أمورهم للصدفة و”الفزعة” والتي تأتي أحيانا إما متأخرة ، وإما على حساب ماء وجه المحتاج وأسرته، خاصة أولئك الذين كانوا قبل الحاجة وتبدل الظروف أعزاء في أسرهم ومحيطهم الاجتماعي.
لن يعدم المجتمع الفكرة، فقط نحتاج لزيادة تحمل المسئولية تجاه الغير بما يسره الله لنا من المقدرة. ومن نافلة القول أن أيدٍ متعددة ستكون أكثر قوة وتأثيرا من يد واحدة . فهل نستطيع توظيف العقول النيرة لتفكر خارج الصندوق ، وتوظيف ولو جزء من قدراتنا – بجوانبها المختلفة – في إنقاذ غريق أو إغاثة ملهوف أو شفاء مريض أو ستر عائل ؟!