التدخل في حياة الآخرين
فاطمة الشيخ محمد الناصر
الانتقال من الحياة الفردية للحياة الزوجية يترتب عليه الكثير من التغيرات، فالانتقال من مرحلة الاستقلالية إلى مرحلة المشاركة في أغلب الأشياء يُمخر في عباب كينونة الفرد، فيصبح ويُمسي في محاولات أن ينشئ روابط نفسية وفكرية وجسدية تمده بالانتماء للواقع الذي اختاره، يبدأ الزوجان خلال هذه الفترة بالتقارب والتفهم والاحتواء للآخر، وتكوين حياة مستقرة بالاتفاق بينهم وتنبت خلالها المودة والرحمة.
ويكتفي كلاهما بالآخر ويصبحان أكثر قدرة على التناغم الواعي المشترك، ويمكنهما أن يحلا مشكلاتهما في منأى عن الآخرين، فكل منهما استوعب نمطية التفكير للآخر، لكن هذا الوضع قد لا يرضي بعض من يتجسسون على الآخرين من باب ادعاء الحرص والاهتمام، فيبدأون بالتقصي ومحاولة اختراق الاستقرار الذي تم بنيانه بانسجام الزوجين، في حين نجد فتاوى السيد علي السيستاني “حفظه الله” تبين أن حتى أب أو أم الزوج لا يحق لهما التحكم في الزوجة، فلم تخرج هذه الفتوى جزافًا، فالكثير من الخلافات الزوجية ومشكلاتها يكون مردها ذلك، ومنها ضياع الأسرة وغيرها من المساوئ المترتبة على ذلك التحكم أو التدخل فيها.
إذ وجدنا أن الفتوى ذكرت أنه لا أحقية لأقرب الأشخاص للزوج أن يتحكما في حياة زوجته، فماذا نتوقع أن يكون الحكم الشرعي في من يتدخل في تلك العلاقة المقدسة وهو ليس بذلك القرب وهم من خارج تلك الدائرة!
حقيقة أن الكثير ممن يدعون الحرص والاهتمام بتدخلاتهم واختراق أبواب الناس والمراقبة هم أشدهم حسدًا وكراهية، إذ أنهم تركوا مراقبة أنفسهم وبيوتهم واستقعدوا للآخرين، سيقول البعض: من واجبنا النصيحة محبة؟ سنقول لهم النصيحة لا تقدم إلا في موردها، وهو أن يكون من تقدم له النصيحة قاصرًا جاهلًا غافلًا لا يمكنه أن يفرق بين الحق والباطل مستحقًا للنصيحة أي أنه يفعل باطلًا، أما زوجان يعيشان برضا وقناعة عن حياتهما، بينهما خفايا وقناعات معينة، تُقبل إليهما كحريص على شأنهما متدخلًا في حياتهما لم يقبلا إليك طلبًا لذلك.
فما أكثر دمار بيوت وخرابها نتيجة من ادعوا سواء رجال أو نساء الحرص عليهم بتدخلاتهم، لا يوجد زوجان لا يمكنهما حل قضاياهما وتحسين مستوى عيشهما، جُل المسألة وقت وصبر، وورد النهي صريحًا في القرآن الكريم عن التجسس {ولا تجسسوا}، أي البحث والفحص عن أسرار الناس، من هنا ندرك أن هذا الفعل شائن ومقيت