كيف يؤثر الحمل على دماغ المرأة؟ وهل يعتبر أكل الطين ونشاء الغسيل أمرا طبيعيا؟
إن وجود جنين ينمو داخل الأحشاء ليس بالأمر الهين، فهرمونات كثيرة تتدفق في دم المرأة لتحدث في جسدها تحولات غريبة، الشيء الذي يؤثر على مظهرها ومشاعرها، ولكن قبل ذلك، وأثناء فترة الحمل تحدث تغيرات أكثر جنونا لا تؤثر على الهرمونات فقط، بل وعلى الدماغ أيضا وهذا ما يسبب قيام الحامل بالحماقات، حيث تصبح متقلبة المزاج أكثر ويعطيها ذلك الرغبة العارمة في تناول الطعام والنكد.
وحاول العلماء خلال كل هذه السنين الوصول إلى تفسيرات علمية للبعض من هذه التغيرات الغريبة، وعلى إثر ذلك قدموا لنا مجموعة من الإجابات عن الأسئلة التي حيرتنا: ما سبب التعثر بكل شيء؟ أشارت الكثير من النساء إلى أن شعورهن بأنهن أصبحن خرقاوات واحدة من أولى علامات الحمل، وذلك حين يبدأن بسكب الأشياء في المطبخ أو يتعثرن بأقدامهن، ويسقطن المفاتيح باستمرار، وذكرت إحدى الدراسات أن 27% من النساء يسقطن مرة واحدة على الأقل خلال فترة الحمل، وذلك بشكل مشابه لحالات السقوط التي تحدث مع الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم ال65 سنة.
يبدو أن الحماقات تصبح أمرا منطقيا، خاصة خلال الأشهر القليلة الأخيرة من الحمل، حيث ينتقل مركز ثقل المرأة الحامل تدريجيا نحو الأعلى مع نمو الطفل ليصبح أكبر، حينها تبدأ المدخلات العصبية المتعلقة بوضعية الوقوف بما في ذلك المدخلات البصرية، والدهليزية، والمعلومات الحسية الجسدية بالتغير بسرعة خلال فترة الحمل، و يعود مركز الثقل مرة أخرى إلى وضعه الطبيعي بعد الولادة، إلا أن التغيرات لا تنتهي عند هذا الحد فقط، الشيء الذي استدعى القيام بمجموعة من الدراسات أبرزها كشفت أن التغيرات قد تستمر إلى حدود عامين على الأقل بعد الولادة، وخلال تلك الفترات سيكون على منطقة الدماغ التي تدمج هذه المعلومات والفص الجداري، أن تتكيف وفقا لذلك وتعيد تفسير هذه المدخلات الجديدة والمتغيرة بشكل صحيح قبل أن ترسل الإشارات الصحيحة لتحقيق التوازن والتنسيق.
خلال الأسابيع القليلة الأولى من الحمل ترتفع مستويات هرمون الريلاكسين بسرعة، وهذا الأخير يعمل على جعل مفاصل الجسم وأربطته وعضلاته تسترخي، كما يساعد على جعل منطقة الحوض تتمدد أثناء الولادة، وهذا ما يفسر إصابة الحامل بالبلاهة في المراحل المبكرة من الحمل.
ويعتقد الباحثون بأن الاسترخاء الذي يحدث للحوامل على مستوى عضلات المعصم واليد والأصابع هو ما يجعل القبضة أكثر استرخاء، الشيء الذي يجعل النساء الحوامل يسقطن الأشياء في الكثير من الأحيان، بالإضافة إلى ذلك فالريلاكسين المرتفع هو السبب الذي يجعل الحوامل يعانين من الحرقة المعدية حيث تصبح عضلات المريء أقل مرونة بما يكفي للسماح لحمض المعدة بالصعود إلى الأعلى.
ما الذي يجعل الحامل ترغب في تناول أنواع معينة من الأطعمة ( الوحام)؟ تختلف أذواق النساء في تناول الطعام طوال فترة الحمل، مع ذلك فقد أكد العلم أن أجسادنا تشتهي أكل الأطعمة التي تحتاج إليها، فالرغبة بتناول الأطعمة المالحة، على سبيل المثال، يمكن أن تكون علامة على الجفاف أو عدم توازن الإلكتروليت في أجسامنا.
نجدأن 60% من النساء الحوامل يتناولن طعاماً معيناً أثناء الحمل، الأمر الذي يعد أكثر الأعراض شيوعا، ومن المتعارف عليه أن النساء بشكل عام يظهرن رغبة أكبر في تناول الطعام مقارنة مع الرجال وخاصة خلال فترة الدورة الشهرية. وأفادت دراسة تم إجراؤها من قبل جامعة كونيتيكت بأن أذواق النساء في تناول الطعام تختلف كثيراً طوال فترة الحمل، ففي الوقت الذي تكون الأطعمة ذات المذاق المر مكروهة للغاية خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، تزيد رغبة المرأة بتناول الأطعمة المالحة والحامضة مع اقترابها من الثلث الثاني والثالث، حيث يُعتقد بأن الرغبة في تناول الأطعمة المالحة مثل رقائق البطاطس، هو تعبير عن الحاجة في المزيد من الصوديوم للتعويض عن زيادة حجم الدورة الدموية.
وتأتي الرغبة في تناول المواد غير الغذائية مثل الطين والورق أو نشاء الغسيل كتعبير عن وجود نقص غذائي أكثر خطورة (والذي يكون في الكثير من الأحيان متعلقا بالحديد) وينبغي استشارة الطبيب في ذلك. ما سبب تقلب مزاج الحامل؟ يعتبر الحمل أكثر الأوقات ديناميكية واضطرابا في حياة المرأة، إذ على إثره تحدث تغيرات جسدية وعاطفية كثيرة، لذلك ينبغي على الحامل فهم هذه التغيرات للاستمتاع بالحمل.
ولعل السبب في تغيرات المزاج أثناء الحمل هو تغير مستويات هرمونات الإستروجين والبروجسترون، التي يمكن أن تؤثر في مستوى التواصل العصبي في الدماغ، والتي تتحكم بالمزاج، كما أن الإجهاد البدني والتعب وكذا التغيرات في عملية الأيض تسبب هذه التقلبات، فمعظم هذه التقلبات المزاجية تحدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى للحمل. يمكن للحامل أن تشعر بمجموعة من المشاعر المختلفة أثناء رحلة الحمل والولادة، كالفرح والغضب والمخاض والخوف إلى جانب الولادة التي تعد في حد ذاتها اضطرابا نفسيا. إضافة إلى ما سبق يمكن للحمل أن يزيد من قدرة الدماغ على التصرف وإصدار الأوامر للجسم، فهو يصبح بالنسبة للمرأة الحامل أقرب إلى المنبه، حيث يصبح سريع التأثر خصوصا خلال فترة نوم الحامل، فهو يدرك بأن هناك عاملا داخليا يؤثر فيه، والمقصود هنا الطفل، لذا عليه التكيف مع هذا الوضع الجديد والتأقلم معه وبالتالي التأثر به، فالدماغ لدى الحامل يتأثر أيضا بحركة الجنين وبفترة نموه. ما لنا سوى الاعتراف بعظمة الخالق المصور الذي جعل من معجزاته تشمل كل شيء، وأن نتعجب من الكيفية التي يمكن فيها لجميع هذه التغيرات أن تساهم في تكوين إنسان معافى في غضون تسعة أشهر.