الشيخ الموسى: صدر المعلم يتسع لـ 40 طالب ، والشباب يهدرون أموالهم
مالك مهدي – الدمام
يعتبر العلم والوعي أحد أهم عوامل الموفّقيةَ في طريقِ التكاملِ وجلبِ رضا اللّهِ والقربِ منهُ، بجانب الإيمان والتقوى ولا تتحقّقُ الهدايةُ بأحدِهِما دونَ الآخرِ.
بهذا ابتدأ إمام جمعة مسجد الإمام الكاظم في قرية العمران بمدينة الأحساء سماحة الشيخ عباس الموسى خطبة الجمعة.
وتعرض سماحة الشيخ الموسى إلى دور العلم والتعليم في المجمتع قائلا : لمْ يُوجَدِ الإنسانُ منذُ ولادتِهِ متعلِّمًا أوْ فقيهًا، وهذا ما أكدَهُ لنا اللهُ سبحانَهُ وتعالى في محكمِ كتابِهِ الكريمِ، فقدْ أمدَّ اللهُ الإنسانَ بأدواتٍ معرفيةٍ كالبصرِ والسمعِ والعقلِ والقلب.
وأضاف قائلاً: “هذا ما تميَّزَ بِهِ الإنسانُ عنْ غيرِهِ، لكنَّ كلَّ هذِهِ الأدواتِ تحتاجُ إلى مَنْ يوجِّهُها بالتعليمِ حتى يتمَّ استغلالُها على أكملِ وجهٍ، لأنَّ العِلْمَ بحرٌ زاخرٌ بالمعارفِ والأصولِ وكلِّ ما يزيدُ مِنْ ثقافةِ الإنسانِ”.
وأكد الموسى بأن الأمم انطلقت جاهدةً وراءَ التعليمِ لتتخذَ منهُ معبراً مِنْ زمنِ الجهلِ إلى المستقبلِ الزاهِرِ، وأنه لا يُرادُ بالعلمِ العلمُ الدينيُّ فقطْ، ولا الأكاديميُّ فقط، فهُما مصداقَيْنِ للعلمِ، بلِ العلمُ هوَ الفهمُ والذي عُبِّرَ عنهُ في نصوصٍ مختلفةٍ بالفِقْهِ.
وفي جانب آخر ذكر الشيخ الموسى أن المتبادر في أذهانِ بعض الناسِ أن الفقهَ يراد بهِ العِلْمَ الدينيَّ أوْ خصوصَ الأحكامِ الشرعيةِ، ولكنَّ هذا ناتجٌ عنْ قصورٍ في اطلاعِ ومعرفةِ الإنسانِ لمعنى الفقهِ، فالفقهُ بمعنى الفهمِ والفطنةِ.
ونوه الى أننا عندما نتحركُ في حياتِنا نتلمسُ ضرورةَ الفقهِ والعلمِ والفهمِ، ففي الحياةِ الاقتصاديةِ مثلًا، عندما يفْقَهُ الإنسانُ الأوضاعَ الاقتصاديةَ فإنهُ يحسنُ التدبيرَ في معيشتِهِ، مستشهدا بقول رسولِ اللهِ (ص): (مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يُصْلِحَ مَعِيشَتَهُ)، وأن لا يُصلحُ معيشتَهُ إلَّا بالتدبيرِ كما يقولُ أميرُ المؤمنينَ: (التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَة) ولا يتدبرُ المعيشةَ إلَّا بالفهمِ والفقهِ فيها.
وفي رسالة اجتماعية ذكر سماحته أن أكبرَ مشكلةٍ تواجِهُها الأُسرُ اليومَ هيَ انعدامُ ثقافةِ الادِّخارِ والتي تسببَتْ كثيرًا في اختلالِ الوضعِ الاقتصاديِّ للأُسرِ، وأن هذا تسببَ كثيراً في اختلالِ موازينِ الاستقرارِ الأُسريِّ لدى غالبيةِ المجتمعاتِ.
وفي علاج هذه المشكلة الاجتماعية قال الموسى: “معَ الضغوطِ الاقتصاديةِ التي تواجِهُ الأُسَرَ اليومَ فلا بدَّ مِنَ التوقفِ عندَ هذا الحدِّ في الإسرافِ الماليِّ الاستهلاكيِّ وفي أمورٍ لا تعتبرُ ذاتَ أولويةٍ قصوى لدى الأسرةِ أوِ الفردِ، والتركيزِ على الأولوياتِ ومنها التفكيرُ في تملُّكِ المسكنِ أوِ الأرضِ كمرحلةٍ أولى ثم البناءِ، بدلًا منَ الاهتمامِ بالكمالياتِ أوِ السفرِ أوِ الأثاثِ المنزليِّ أوِ الحفلاتِ الأسريةِ وغيرِ ذلكَ”.
وفي رسالة إلى شباب المجتمع قال الشيخ الموسى: “شبابُ اليومِ يستهلكونَ الكثيرَ مِنْ ميزانيةِ أُسَرِهِمْ في السفرِ وفواتيرِ الجوالِ والنِّتِّ والأكلِ في المطاعمِ واللبسِ وغيرِها، وبعضُهُمْ موظفٌ ويسكنُ معَ أهلِهِ مِنْ دونِ أيِّ التزامٍ أُسَرِيٍّ ويستلمُ راتباً مقبولاً ويصرفُهُ على الكمالياتِ والسلعِ الاستهلاكيةِ بينما هوَ وأسرتُهُ لا يملكونَ منزلاً أو أرضاً”.
وفي جانب ثالث أكد سماحة الشيخ الموسى على ضرورة النظر بإيجابيةٍ إلى المعلِّمٍ الأكاديمي وما يقدمُهُ مِنَ الدورِ الكبيرِ في التربيةِ والتعليمِ، فإنَّ حركيةَ العلمِ والمعرفةِ إنما كانت مِنَ المعلمِ، الطبيبُ تعلَّمَ مِنَ المعلمِ، والمهندسُ تعلمَ مِنَ المعلمِ، وكلُّ موظفٍ في أيِّ دائرةٍ لمْ يصلْ إليها إلَّا بعدَ التعلُّمِ بينَ يدَيْ هذا المعلمِ، وما ذلكَ إلَّا بعطاءِ المعلمِ الذي يتحركُ في دائرةِ المعرفةِ أولًا ويبذلُ جهدًا لإيصالِ المعلومةِ العلميةِ أوِ اللغويةِ أو غيرِهِما للطالبِ.
وأشار الشيخ الموسى الى معاناة المعلم بقوله:”صدرُ المعلمِ يتسعُ لأربعينَ طالبًا في الصفِّ بينما لا يتحملُ الأبُ إزعاجَ ولدَيْنِ لهُ، وصدرُ المعلمِ يتسعُ للتعاملِ معَ مِائَتَيْ طالبٍ على الأقلِّ يتنقلُ بينهُمْ في الصفوفِ، يراعِي هذا ويدارِي هذا ويلتفِتُ إلى هذا، ويحاولُ أنْ يقوِّيَ هذا”.
وفي الختام أكد الموسى على مكانة المعلم وأنه يُعتبَرُ عامِلًا مساعدًا للأسرةِ في التربيةِ ومحاسِنِ الأخلاقِ، بلْ قدْ لا تستطيعُ الأسرةُ التغلُّبَ على بعضِ المشاكلِ لأولادِها وبناتِها إلا من خلال الدورُ الأكبرُ لمعلم والمعلمة في ذلكَ.
ووجه إلى أهمية تعاون المجتمع معَ المعلمِ فيما يعودُ بالمصلحةِ على الطالبِ، وذلكَ مِنْ خلالِ التواصلِ المستمرِّ معَ المعلمِ، ومِنْ جهةٍ أخرى غرسِ مبدأِ الاحترامِ والتقديرِ للمعلمِ والذي يُعتبرُ في مقامِ الأبِ والمربي.