أفكار عن فهم الأطفال والكبار للخير والشر

المترجم : عدنان أحمد الحاجي
كطالبة جامعية في علم النفس في جامعة ولاية بنسلفانيا، توصلت لاريسا سولومون Larisa Solomon إلى ملاحظة بدت لها وكأنها تعكس شيئًا عميقًا في علم النفس البشري، لكن دراسات علم النفس لم تتناول لماذا يقتل الناس بعضهم بعضا على أساس خلافات ( أو اختلافات) دينية. أرادت أن تعرف سبب ذلك.
وبعد ذلك، شرعت في استكشاف عناصر هذا السؤال، لما كانت طالبة جامعية، ثم في الدراسات العليا في جامعة هارفارد، والآن كأستاذ في جامعة كولومبيا. خلال وقت فراغها في كلية الدراسات العليا، قامت سولومون بتدريس علم النفس في السجون، مما دفعها إلى إبراز اهتمام موازٍ بالجهاز القانوني.
تحدثت صحيفة أخبار جامعة كولومبيا مع سولومون لمناقشة الدراسات التي تناولتها طيلة حياتها البحثية وورقتها العلمية التي نشرتها مؤخرًا في مجلة Child Development.
ما مجال دراساتك البحثية بشكل عام؟
أنا مهتمة بطريقة تفكير الأطفال والراشدين (سن 20 سنة وأكبر، بحسب التعريف، ولنستخدم هنا “الكبار” مقابل الأطفال) فيما يتعلق بالخير والشر، (أو مفردات أخرى تحت مضمون هاتين المفردتين). بعض الابحاث التي أتناولها في مختبري تقع مباشرةً ضمن نطاق علم النفس الأخلاقي، وتطرح أسئلة مثل: كيف يفكر الناس في الخلافات الأخلاقية؟ أو ما هو الدور الذي تلعبه الأخلاق (1) في طريقة تفكيرنا في الهوية (2)؟ تناولت دراستي الجديدة أيضًا العلاقة بين الأخلاق ومنظومتين أخريتين – الدين والقانون – وننظر إليهما جزئيًا على أنهما اثنان من أكبر المنظومات التي طورها الناس لتنظيم سلوكياتهم الأخلاقية. وهنا نطرح أسئلة مثل مدى استجابة الأطفال والراشدين للناس الذين يختلفون في معتقداتهم الدينية عنهم وكيف ينظرون إلى المساجين من الناحية الأخلاقية.
اعطينا مثالًا على كيف تتناولين هذه الأسئلة بالدراسة؟
لقد بدأتُ فعلاً باستكشاف الدين وعلم النفس كطالبة دراسات عليا. في إحدى أوراقي البحثية (3) في كلية الدراسات العليا، سألت أطفال المدارس الابتدائية أسئلة عن معتقداتهم الدينية. على سبيل المثال: هل بمقدور الله أن يأتي بالمعجز [الآيات، حسب اللفظ القرأني] أم لا أحد بإمكانه فعل ذلك؟ ثم سألتهم عن المعتقدات أو القناعات الأخرى التي ليس لها طابع ديني، مثل اللون المفضل عندهم. وأخيرًا طلبتُ منهم تقييم السلوك الأخلاقي لأطفال آخرين. ما وجدته هو أن الأطفال يميلون إلى عزو السلوك الأخلاقي الجيد إلى من يشترك معهم في معتقداتهم الدينية، لا إلى أولئك الذين يشتركون معهم في أنواع أخرى من المعتقدات أو التفضيلات.
في ورقتين بحثيتين صدرتا مؤخرا، كنت مهتمةً بمعرفة إلى أي مدى يعتقد الأطفال (4) والكبار (5) أن طرح أسئلة تتعلق بالدين، مثل تساؤلهم عن قدرة الله على الإتيان بالمعجز هو تساؤل لا بأس به من الناحية الأخلاقية
بعض التقاليد الدينية، وخاصة بعض الطوائف المسيحية، تؤكد بالفعل على قوة الإيمان والتصديق بتعاليم ذلك الدين، في حين تقدر بعض الديانات الأخرى، مثل اليهودية، بالفعل الأسئلة الفضولية (الفضول) والجدلية الخاصة بتلك الأسئلة التي هدفها الوصول إلى الحقيقة. لذلك اعتقدنا أن الناس من بعض الجماعات قد يرون الأسئلة الفضولية أكثر أخلاقية مما تراها جماعات أخرى.
ما وجدناه هو أن الناس يعتقدون أن الفضول أمر جيد بغض النظر عن خلفيتهم الدينية. والشخص الفضولي أفضل من الناحية الأخلاقية من غير الفضولي، سواءً أكان السؤال موجهًا إلى أطفال أو إلى كبار، وبغض النظر عن خلفيتهم الدينية.
لقد أجرينا دراسات أخرى لمعرفة الأسباب، ووجدنا أن الناس يقدرون بالفعل العمل الجاد والجهد المبذول. الذين يعملون بجد طيبون، وبطبيعة الفضوليين أنهم يعملون بجد. وبالتالي فالفضوليون طيبون، وهكذا دواليك في مختلف الأديان.
ماذا تناولت ورقتك البحثية المنشورة مؤخرًا؟
تناولت هذه الورقة البحثية (6) رد فعل الناس عند رؤية شخص يساعد شخصًا آخر مقابل رؤيتهم شخصًا آخر يتصرف بقسوة مع شخص ثانٍ. لقد سألنا ما إذا كان الناس فضوليين أكثر بشأن الآخرين الذين يقومون بسلوكيات طيبة أو يقومون بسلوكيات دنيئة، وما المتغيرات التي أثرت في فضولهم.
لقد وجدنا اختلافات متعلقة بسن الشخص. لدى الأطفال الصغار رغبة في معرفة لماذا الناس أخيار أو أشرار من الناحية الأخلاقية. لذلك، أظهر الأطفال فضولًا لمعرفة سبب مشاركة أحد أقرانهم وجبة خفيفة مع شخص آخر، وهو سلوك طيب، وكذلك لماذا يضرب أحد الأقران شخصًا آخر ويطرحه أرضًا، وهو ما يعتبر سلوكًا دنيئًا أو سيئًا.
مع تقدم الناس في العمر، وجدنا أن لديهم رغبة في معرفة المزيد عن أسباب حدوث التجاوزات العدائية ضد الأخرين، ولكن يصبحون أقل فضولاً لمعرفة أسباب السلوكيات الطيبة.
من الممكن أن يكون أحد الآثار المترتبة على ذلك (بالرغم من أن دراستنا لم تخضع ذلك للاختبار بشكل مباشر بعد) هو أننا قد نكون قادرين على تسخير هذا الفضول للحد من الاختلافات أو الخصومات. كما ذكرت أعلاه، نحن نعلم أنه منذ سن مبكرة جدًا، يعتقد الأطفال أن الذين لا يتفقون مع وجهات نظرهم من الناحية الدينية ليسوا أخلاقيين بشكل خاص. ونحن نعرف أيضًا أن الأطفال والكبار يعتقدون أن الفضول فضيلة أخلاقية. لذا، فلو تمكنا من تنمية الشعور بالفضول بشأن سبب تبني الآخرين معتقدات تختلف عن معتقداتنا، فربما يساعدنا ذلك على الابتعاد عن التفكير في أن الذين يختلفون معنا في معتقداتهم لابد وأن يكونوا أشرارًا، ويقربنا من فهم وجهة نظرهم. ويبدو هذا الأمر مهمًا بشكل خاص عند الحديث مع شخص تضعه معتقداته في موقف ضعف في المجتمع، مثل وضع المسلمين في دولة أغلبية سكانها من المسيحيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن هذه المعتقدات أقل احتمالا لتْفهم وتْعامل باحترام من قبل من يحملون معتقدات المجموعات التي تتمتع بموقف عالٍ في المجتمع، كما هو الحال فيمن يعتنقون دين الأكثرية.
ما العوامل التي دفعتك إلى الاهتمام بالجهاز القانوني كموضوع للدراسة؟
كطالبة دراسات عليا، تطوعت في منشأة إصلاحية (سجن) لمدة خمس سنوات تقريبًا، حيث قمت بتدريس علم النفس للطلاب من السجناء. لقد لاحظت أن هذا العمل مختلف تمامًا عن أي عمل أخر قمت به في برنامجي في الدراسات العليا.
في كل فصل دراسي، كنا نبدأ بمناقشة تجربة سجن ستانفورد الشهيرة (7)، حيث بنى عالم النفس فيليب زيمباردو سجنًا وهميًا في قبو جامعة ستانفورد، واكتشف بسرعة أن المشاركين الذين عّينوا كحراس بدأوا في إساءة استخدام سلطتهم على المشاركين في التجربة الذين كانوا يمثلون دور السجناء حينئذ. لقد استخدمت هذه التجربة كوسيلة للحديث عن المعايير الاخلاقية والعدوانية.
في كل فصل دراسي، يغضب الطلاب بعد المناقشة ويسألونني: “لماذا بنى زيمباردو هذا السجن، ولماذا لم يتحدث إلى سجناء حقيقيين في سجن حقيقي؟ لسان حال هؤلاء السجناء يقول نحن محتجزون هنا ولا أحد يريد الحديث معنا.”
لقد خطر ببالي سؤال جيد: كيف يمكننا تقديم ادعاءات عامة عن كيفية عمل سيكولوجية الناس لو أهملنا هذا الجانب من التجربة الإنسانية؟
هل عملت دراسات ركزت على سجناء في السجون؟
لم أصل إلى هذا الحد بعد، لكنني بدأت في بناء الأساسيات. إجراء الأبحاث في السجون، كما أشار طلابي، لم تّعمل بعد بشكل عام، لذا فإن الوصول إلى النقطة التي أستطيع فيها القيام بذلك يعتبر اجراءً عمليًا.
كانت دراستي الأولى (4) للجهاز القانوني على أشخاص راشدين جاوبوا على استبانة على الإنترنت عن مدى اعتقادهم بأن الناس يرتكبون جرائم بسبب بعض العوامل البيولوجية الداخلية. لقد وجدت أنه كلما فكرتُ في ذلك أكثر، كلما اعتقدت أنه يجب تطبيق بعض العقوبات.
في الدراسة التالية (8) سألت الأطفال لمعرفة وجهات نظرهم عن سبب حبس بعض الناس في السجون. لقد وجدت أنهم يعتقدون عمومًا أن هؤولاء يحبسون في السجون لأنهم أشرار، بدلاً من النظر في العوامل الهيكلية [العوامل الهيكلية تشير إلى الحالات والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأوسع على المستويات الوطنية أو الإقليمية أو الدولية التي تزيد من احتمالية تعرض الفرد للعنف أو الاستغلال أو تحد من الإساءة (9)]، مثل كونهم أشخاصًا من أقلية عرقية في مجتمع عنصري أو عدم امتلاكهم ما يكفي من المال لدفع تكاليف محامٍ جيد.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/أخلاق
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/هوية
3- https://columbiasamclab.weebly.com/uploads/5/9/0/6/59061709/heiphetz_spelke_banaji_2014_social_cognition.pdf
4- https://columbiasamclab.weebly.com/uploads/5/9/0/6/59061709/mosley_white_solomon_2024_child_development_unformatted.pdf
5- https://columbiasamclab.weebly.com/uploads/5/9/0/6/59061709/white_mosley_solomon_2024_spps_unformatted.pdf
6- https://columbiasamclab.weebly.com/uploads/5/9/0/6/59061709/yonas_solomon_in_press_child_development.pdf
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/تجربة_سجن_ستانفورد
8- https://columbiasamclab.weebly.com/uploads/5/9/0/6/59061709/dunlea_wolle_heiphetz_2020_jcd.pdf
المصدر الرئيسي
https://news.columbia.edu/news/seeking-insight-how-children-and-adults-understand-right-and-wrong