الشيخ الموسى: قد نختلِفُ لكنَّنا نُصلِّي ونتشاركُ في كلِّ فعلٍ عباديٍّ
مالك هادي – الأحساء
“البرُّ ليسَ محصورًا في إنفاق المالِ، بلْ هوَ شاملٌ لكلِّ الأمورِ” بهذا استهل إمام مسجد الإمام الكاظم بقرية العمران في مدينة الأحساء سماحة الشيخ عباس الموسى خطبة الجمعة لهذا الأسبوع.
وتعرض الشيخ الموسى إلى بعض مصاديقِ البرِّ الذي ينبغِي أنْ نتعاونَ فيهِ، بدايةً بالقاعدةِ الفكريةِ والعقديةِ مِنَ الإيمانِ باللهِ ورسولِهِ واليومِ الآخرِ، لأنهُ الأساسُ والمرتكزُ للعملِ على البرِّ. ثمَّ إيتاءِ المالِ على حبِّهِ لكلِّ مَنْ يحتاجُ إليهِ مِنَ الفِئاتِ المحرومةِ، ومنْ إقامةِ الصلاةِ الّتي توصِي بطهارةِ الروحِ والقلبِ والجسدِ، وإيتاءِ الزكاةِ الّتي تمثلُ روحيةَ العطاءِ في شخصيةِ الإنسانِ، والوفاءِ بالعهدِ بما يمثلُهُ مِنَ الالتزامِ بالكلمةِ والموقفِ، والصبرِ الَّذي يرتكزُ على صلابةِ الإرادةِ وقوةِ العزيمةِ وثباتِ الموقفِ، والصدقِ الَّذي ينطلِقُ مِنْ قاعدةِ الإخلاصِ للحقيقةِ، والتقوى الّتي تنفتِحُ آفاقُها على المراقبةِ الدقيقةِ للَّهِ، وبذلكَ ينفتحُ البرُّ على آفاقِ حياةِ الإنسانِ الداخليةِ والخارجيةِ.
وأكد سماحته على أن الهدف مِنَ التعاونِ إشاعةُ الخيرِ، ويتحققُ بنشرِ أنواعِ البرِّ في المجتمعاتِ، وأنّ البرَّ ليس أنْ تسعَدَ على حسابِ غيرِكَ، بلْ أنْ تسعَدَ ويسعَدَ جميعُ الناسِ معكَ.
وفي لفتة لأبرز مصاديق البرّ تحدث الشيخ الموسى عن التكافل المجتمعي، وأنه سمة المؤمنين، فقال: “وربما يتبادرُ في ذهنِ الناسِ أننا إذا ذكرنَا التكافُلَ الاجتماعيَّ فالمقصودُ بِهِ التكافلُّ الماديُّ، وهذا التبادرُ الأوليُّ صحيحٌ في بدايتِهِ، ولكنَّ التكافلَ لا ينحصِرُ بالتكافلِ الماديِّ، وإنْ كانَ هوَ الأهم”.
وذكر الموسى أن هناكَ تكافلا أهمُّ أشار منه إلى:
أولًا/ التكافُلُ الأدبيُّ والخُلقِيُّ: وهوَ شعورُ كلِّ فردٍ نحوَ إخوانِهِ في الدينِ، وإخوانِهِ في المجتمعِ، بمشاعرِ الحبِّ والعطفِ والشفقةِ وحسنِ المعاملةِ. وترجمةُ هذِهِ المشاعرِ من خلالِ التعاونِ معهُمْ، في سرّاءِ الحياةِ وضرّائِها، فيفرحُ لفرحِهِمْ، ويأسَى لمصابِهِمْ، ويتمنَّى لهمُ الخيرَ، ويكرهُ نزولَ الشرِّ بهِمْ.
ثانيًا/ التكافلُ العلميُّ: وهو أنْ يُعلِّمَ العالِمُ الجاهلَ، وعلى الجاهلِ أنْ يتعلَّمَ مِنَ العالِمِ؛ بُغيةَ إزالةِ معالمِ الجهلِ بأشكالِهِ كافّة، وزرعِ الوعيِ في أوساطِ المجتمعِ.
وأكد سماحته على أن هذا النوع هو أهمُّ تكافلٍ ينبغِي أنْ ينتشرَ بينَ الناسِ، وأن مجتمعنا يحتاجُ إلى التكافلِ العلميِّ، كحاجتِهِ إلى التكافلِ المعيشيِّ. وفيما قاله: “اليومَ لا نستغرِبُ منْ بعضِ الشبابِ والشاباتِ، الذين لا يعرفونَ بعضَ الأمورِ البسيطةِ، مِنَ الأحكامِ الفقهيةِ، لا وضوءً ولا غسلًا ولا غيرَ ذلكَ، ومَنْ المسؤولُ عنْ ذلكَ؟ الآباءُ والأمهاتُ أوْ طلبةُ العلومِ الدينيةِ؟ المسؤولية تقع على عموم المجتمعِ.
وفي صورة ثالثة للتكافل ذكر التكافلُ العباديُّ فقال: “في الإسلامِ شعائرُ وعباداتٌ يجبُ أنْ يقومَ بها المجتمعُ ويحافظَ عليها، كصلاةِ الجنازةِ، فإنَّ الميتَ إذا ماتَ وجبَ على المجتمعِ تكفينُهُ والصلاةُ عليهِ ودفنُهُ، فإنْ لمْ يَقُمْ بذلِكَ أحدٌ أَثِمَ جميعُهُمْ، وهوَ ما يُسمَّى بالوجوبِ الكفائيِّ في فقهِ العباداتِ”.
وشدد على أن من مظاهر هذا النوع من التكافل حضور جميع الصلوات، كصلاةَ الجُمُعَةِ والجماعةِ أوْ صلاة الميتِ، والحضور الجماعي في قراءَةَ الأدعيةِ، كدعاءِ كميلٍ، والحضور في الأمسياتٍ القرآنيةٍ والمآتِمَ الحسينيةٍ.
وأشار الشيخ الموسى إلى أن هذا النوع من التكافل ليسَ لهُ دخلٌ بالأفكارِ والرُّؤَى، فقال: “قد نختلِفُ معَ بعضِنا ولكنَّنا نُصلِّي معا، ونقرأُ الأدعيةَ ونتشاركُ في كلِّ فعلٍ عباديٍّ، ومظهرٍ روحيٍّ، دونَ النظرِ إلى الرأيِ والرأيِ الآخرِ. ومِنَ المؤسِفِ أنَّ بعضَ الأحبةِ حينَما يختلفُ معكَ لا يحضُرُ لكَ، ولا يشارِكُ ولا يتشارَكُ حتى في قراءةِ الدعاءِ، وكأنك أنتَ المدعوُّ! وأنتَ صاحبُ الشدةِ والرخاءِ.