أقلام
سفير الحُسين في هَجر، السيد محمد علي (٢)
مهدي المبروك – الأحساء
في الجزء الثاني من حياة السيد الراحل، نستكمل حديثنا حول حياته، ونسلط الضوء على تفاصيل تعرض لأول مرة عن هذه الشخصية الجليلة.
الشاعر الشيخ حسين البوخضر:
تحدث شاعر أهل البيت الشيخ حسين البوخضر عن شخصية الراحل السيد محمد علي العلي قائلا: “بعد وفاة والد السيد، ونزوله الأخير من النجف للأحساء، تصدى لإمامة الجماعة في (المسجد الشرقي) المعروف، بحي الشعبة في المبرز.
تحدث شاعر أهل البيت الشيخ حسين البوخضر عن شخصية الراحل السيد محمد علي العلي قائلا: “بعد وفاة والد السيد، ونزوله الأخير من النجف للأحساء، تصدى لإمامة الجماعة في (المسجد الشرقي) المعروف، بحي الشعبة في المبرز.
فبدأ في إقامة صلاة العشائين يوميا، وصلاة الظهرين يوم الجمعة، وانتظم على ذلك، رغم بعد المسافة من منزله إلى المسجد، وقد كان نشيطا في هذا الجانب، وسخر الله له قلوب المؤمنين، فكانوا يتسابقون على خدمته، وتوصيله من وإلى المسجد (فكان العرض أكثر من الطلب).
واعتاد أهل الشعبة على تقديس السادة آل سلمان، للطفهم وعطفهم وتواضعهم، وأخلاقهم مع الناس، وخدمتهم للمجتمع من حولهم، وهذا من النعم الإلهية لهذه الأسرة، منذ أيام المقدس السيد هاشم، وابنه السيد ناصر المقدس.
واعتاد أهل الشعبة على تقديس السادة آل سلمان، للطفهم وعطفهم وتواضعهم، وأخلاقهم مع الناس، وخدمتهم للمجتمع من حولهم، وهذا من النعم الإلهية لهذه الأسرة، منذ أيام المقدس السيد هاشم، وابنه السيد ناصر المقدس.
ويضيف البوخضر حول معرفته بالسيد: “وشرع السيد محمد علي فيما بعد بعقد جلسة الدعاء، ليلة الجمعة في المسجد الشرقي، واستمر عليها. وكان القائم على تنظيم وإدارة شؤون المسجد المرحوم الحاج عبد الرسول العامر (أبو عامر).
كما كان السيد يجلس مع بقية أعلام السادة في الأعياد في حسينية السادة في الشعبة، ويستقبل المؤمنين المهنئين، وهذا مما قربه من الناس وقرب الناس منه.
كما كان السيد يجلس مع بقية أعلام السادة في الأعياد في حسينية السادة في الشعبة، ويستقبل المؤمنين المهنئين، وهذا مما قربه من الناس وقرب الناس منه.
ووصف الشيخ البوخضر السيد رحمه الله بأنه أستاذ وأب ومربٍّ لهم في جانب الشعر، فشعر السيد لا يقيمه إلا من يعرفه، فقد كانت قصائده العامية والفصيحة قوية، ويبدو أنه كان ينظم الشعر منذ أن كان مقيما في النجف الأشرف.
البعض يرى أن الإبداع في الشعر يكمن في التشبيه، وهذا أمر يتفق لكل أحد، ولكن قصائد السيد كانت دروسا علمية، وتبقى فوق مستواي، وقد كنت أرجع إليه دائما، فأعرض عليه قصائدي لينقدها، ويعدل عليها، وتعلمت منه نقد القصائد وتعديلها لمن يستشيرني ويعرض عليّ قصائده.
كان هوى السيد في الأطوار العراقية، حيث أنه ولد ونشأ في النجف الأشرف، وقد كانت تحظى بقبول واستحسان المستمعين في الجامع الكبير، ويطلبون الإعادة مرة بعد أخرى.
وفي ختام كلامه يقول الشيخ حسين البوخضر: “قبل وفاة السيد بليلة، قالوا بأن حالته الطبية تسوء، بعدها وقع خبر وفاته بما يفوق التصور. وأول ما كتبت في رثائه رحمه الله مقطعا من الشعر، كتبته أثناء قراءة الملا عبد العزيز البو خضر لقصيدة السيد في ذكرى استشهاد الإمام العسكري، بالجامع الكبير.
وقد قرأ مقطعي الملا عبد العزيز بنفس المجلس، فقد كان على نفس الوزن والقافية لقصيدة السيد رحمه الله، ومن بعدها كتبت أكثر من قصيدة في رثائه، ومازلت أكتب في رثائه، لما يخالجني من مشاعر الحزن والأسى على فراقه، بعد هذا العمر الذي قضاه بيننا (عشرة عمر).
السيد لم يكن رجلا واحد، حتى ننتظر من يأتي ليغطي الفراغ الذي تركه فينا. السيد كان مجموعة متكاملة: ًالجامع، عاشوراء، الأربعين، الحوزة.. فمن سيملأ هذه الفراغات؟! تعويض السيد صعب.
البعض يرى أن الإبداع في الشعر يكمن في التشبيه، وهذا أمر يتفق لكل أحد، ولكن قصائد السيد كانت دروسا علمية، وتبقى فوق مستواي، وقد كنت أرجع إليه دائما، فأعرض عليه قصائدي لينقدها، ويعدل عليها، وتعلمت منه نقد القصائد وتعديلها لمن يستشيرني ويعرض عليّ قصائده.
كان هوى السيد في الأطوار العراقية، حيث أنه ولد ونشأ في النجف الأشرف، وقد كانت تحظى بقبول واستحسان المستمعين في الجامع الكبير، ويطلبون الإعادة مرة بعد أخرى.
وفي ختام كلامه يقول الشيخ حسين البوخضر: “قبل وفاة السيد بليلة، قالوا بأن حالته الطبية تسوء، بعدها وقع خبر وفاته بما يفوق التصور. وأول ما كتبت في رثائه رحمه الله مقطعا من الشعر، كتبته أثناء قراءة الملا عبد العزيز البو خضر لقصيدة السيد في ذكرى استشهاد الإمام العسكري، بالجامع الكبير.
وقد قرأ مقطعي الملا عبد العزيز بنفس المجلس، فقد كان على نفس الوزن والقافية لقصيدة السيد رحمه الله، ومن بعدها كتبت أكثر من قصيدة في رثائه، ومازلت أكتب في رثائه، لما يخالجني من مشاعر الحزن والأسى على فراقه، بعد هذا العمر الذي قضاه بيننا (عشرة عمر).
السيد لم يكن رجلا واحد، حتى ننتظر من يأتي ليغطي الفراغ الذي تركه فينا. السيد كان مجموعة متكاملة: ًالجامع، عاشوراء، الأربعين، الحوزة.. فمن سيملأ هذه الفراغات؟! تعويض السيد صعب.
الملا عبدالعزيز البوخضر:
وتحدث الملا عبد العزيز البوخضر (رادود السيد) عما عايشه من الراحل رحمه الله، فقال: “بدأت معرفتي بالسيد منذ الصغر، حيث كنا نصلي خلفه أطفالا في المسجد الشرقي، ونراه يقيم العزاء في الجامع الكبير، ويقدم البركة في ساحة الأربعين.
بدأت بصعود المنبر وأنا ابن الثامنة عشر تقريبا، وقراءة القصائد الحسينية في حسينية العربي بالمبرز، حي الشعبة، ثم بدأت بقراءة قصائد لمجموعة من الشعراء، من ضمنهم قصائد السيد رحمه الله.
ثم في قرابة عام ١٤١٢هـ، بدأت في القراءة أحيانا في الجامع الكبير، تحت نظر وإشراف سماحة السيد رحمه الله، حيث كانت القصيدة الأولى في الجامع دائما بقلم السيد، فيلقيها الملا مهدي المؤمن رحمه الله، ومن ثم يصعد بقية الرواديد ويقرأون لشعراء متعددين.
ويواصل الرادود البوخضر قائلا: “و عندما اشتد المرض بالملا مهدي المؤمن، طلب مني سماحة السيد أن أصعد المنبر في منزله، وأقرأ قصائده. ثم طلب مني القراءة في الجامع خلفا لملا مهدي، وكان السيد يكثر من الدعاء لسلامة الملا، متأملا عودته للجامع، فقد كان السيد يرتاح لقراءته، لضخامة صوته وإتقانه للأطوار العراقية.
واختيار السيد لي كان توفيقا من الله لي، ولعل إتقاني للحسكة (اللهجة) العراقية كان عاملا مساعدا، فقد كنت أحصل على قصائد السيد من خلال الأخ عباس العامر، وأتشرف بالقراءة للسيد في مأتمه بمنزله صبحا وظهرا، وفي الجامع الكبير ليلا. وكان ذلك متعبا نوعا ما، خصوصا لابتلائي بالسعال، ولكنه كان يفرحني كثيرا، لتشرفي بخدمة هذا السيد الجليل. ولم يضق علي رزقي، أو يتأثر عملي الحر، بسبب العزاء. بل كنت بعض الأحيان أترك عملي، وأقلل من وقت نومي من أجل العزاء، فقد كانت خدمة السيد أهم لدي من غيرها فهي المكسب الحقيقي عندي.
كان السيد يشد ثوبي وقت قراءتي للقصيدة تارة للاعادة وتارة يريد تصحيح بعض أبيات القصيدة بتغيير بعض الألفاظ أو تشكيل بعض الكلمات وقد اعتدت على هذا.
واختيار السيد لي كان توفيقا من الله لي، ولعل إتقاني للحسكة (اللهجة) العراقية كان عاملا مساعدا، فقد كنت أحصل على قصائد السيد من خلال الأخ عباس العامر، وأتشرف بالقراءة للسيد في مأتمه بمنزله صبحا وظهرا، وفي الجامع الكبير ليلا. وكان ذلك متعبا نوعا ما، خصوصا لابتلائي بالسعال، ولكنه كان يفرحني كثيرا، لتشرفي بخدمة هذا السيد الجليل. ولم يضق علي رزقي، أو يتأثر عملي الحر، بسبب العزاء. بل كنت بعض الأحيان أترك عملي، وأقلل من وقت نومي من أجل العزاء، فقد كانت خدمة السيد أهم لدي من غيرها فهي المكسب الحقيقي عندي.
كان السيد يشد ثوبي وقت قراءتي للقصيدة تارة للاعادة وتارة يريد تصحيح بعض أبيات القصيدة بتغيير بعض الألفاظ أو تشكيل بعض الكلمات وقد اعتدت على هذا.
وتحدث البوخضر عن موقف بينه وبين السيد الراحل، يقول: “أذكر مرة أنني وعباس العامر اتفقنا على تغيير طور التهيئة للعزاء، فاخترنا قصيدة من قصائد السيد، وضعنا لها طورا جميلا وجديدا، فلم يرق للسيد هذا الطور، ولم أتقنه بشكل كامل، فشد السيد ثوبي، فظننته يشير إلى عدم إتقاني للطور، فحاولت أن أضبط الطور بإتقان، ولكن تبين لي لاحقا أن السيد لم يستسغ الطور أساسا.
وبعد ما انتهيت من التهيئة، دخلت في القصيدة الرئيسية، وهي من نظم السيد، ولاحظت أثناء إلقائي للقصيدة أن السيد لم يطلب الإعادة، فاستغربت. وبعد إنهاء القصيدة خرج السيد كعادته، وطلب مني اللحاق به. وجلسنا في غرفة الصوتيات بالجامع، فعاتبني السيد على عدم استجابتي له في تغيير الطور. فأوضحت له أنني لم أفهم مطلبه. واعتذرت منه. ثم انصرف السيد، وانصرفت أنا للجامع.
وبعد ما انتهيت من التهيئة، دخلت في القصيدة الرئيسية، وهي من نظم السيد، ولاحظت أثناء إلقائي للقصيدة أن السيد لم يطلب الإعادة، فاستغربت. وبعد إنهاء القصيدة خرج السيد كعادته، وطلب مني اللحاق به. وجلسنا في غرفة الصوتيات بالجامع، فعاتبني السيد على عدم استجابتي له في تغيير الطور. فأوضحت له أنني لم أفهم مطلبه. واعتذرت منه. ثم انصرف السيد، وانصرفت أنا للجامع.
وبعد قليل اتصل بي السيد، فخرجت إليه فقال لي: “لا تأخذ بخاطرك عاد ولا تزعل” ثم مشى للمنزل، وقد كان السيد لا يتجاهل أحد إطلاقا.
وفي إحدى المرات جاء شاب رادود في عمر 15 سنة تقريبا، وطلب من السيد أن يأذن له في صعود المنبر، ولم يكن الوقت يسمح، ولكن السيد لم يحب أن يكسر بخاطر هذا الشاب، فقال له: أذهب ونسق مع المنظمين.
فالسيد عندما يستسمح من أحد فهو فعلا يقصد ذلك، تواضعا منه، لأنه كان دائما يخشى أن يجرح مشاعر أحدا.
وذكر الحاج عبدالعزيز أن السيد كان بنفسه يدقق ويراجع قصائد الرواديد قبل صعودهم المنبر، فإن كان شاعرها معروف لديه كالشيخ حسين لا يدقق كثيرا، ولكن إذا كان شاعر لا يعرفه يدقق، ويتأكد من خلوها مما يضر باستمرارية العزاء في الجامع.
فالسيد عندما يستسمح من أحد فهو فعلا يقصد ذلك، تواضعا منه، لأنه كان دائما يخشى أن يجرح مشاعر أحدا.
وذكر الحاج عبدالعزيز أن السيد كان بنفسه يدقق ويراجع قصائد الرواديد قبل صعودهم المنبر، فإن كان شاعرها معروف لديه كالشيخ حسين لا يدقق كثيرا، ولكن إذا كان شاعر لا يعرفه يدقق، ويتأكد من خلوها مما يضر باستمرارية العزاء في الجامع.
وفي ختام حديثه يقول البوخضر: ومن الأذكار التي تعلمتها من السيد، قبل دخول المأتم: قراءة الحمد والتوحيد والمعوذتين، و “اللهم يا ذا السلطان العظيم، والمن القديم، والوجه الكريم، يا ذا الكلمات التامات، والدعوات المستجابات، عافني من أنفس الجن وأعين الأنس، برحمتك يا أرحم الراحمين” (هذه التعويذة واردة عن الرسول الأعظم في تعويذ الحسنين، انظر المجتبى من دعاء المجتبى للسيد ابن طاووس” .
عباس العامر:
وفي آخر لقاء تحدث الحاج عباس العامر عن السيد الراحل بعد أن عايشه أكثر من عشرين سنة، فقال: “بدأت في خدمة السيد منذ عام ١٤٢٠ هـ وقد كان جدول السيد اليومي منظما، فكان يجلس قبل أذان الفجر بنصف ساعة تقريبا، ويتهيّأ للصلاة، ومن ثم يشرع في التعقيبات والذكر، حتى تطلع الشمس.
وفي آخر لقاء تحدث الحاج عباس العامر عن السيد الراحل بعد أن عايشه أكثر من عشرين سنة، فقال: “بدأت في خدمة السيد منذ عام ١٤٢٠ هـ وقد كان جدول السيد اليومي منظما، فكان يجلس قبل أذان الفجر بنصف ساعة تقريبا، ويتهيّأ للصلاة، ومن ثم يشرع في التعقيبات والذكر، حتى تطلع الشمس.
وقد كان يصلي الفجر جماعة في مسجد المرتضى المجاور لمنزله بالنزهة، قبل أن يصاب بالجلطة الأولى عام ١٤٢٥ هـ. وبعد الشروق، يأخذ غفوة قصيرة ثم يستيقظ للفطور، ويبدأ في الكتابة والتأليف، سواء قصيدة عزائية أو قصيدة ليضيفها لديوانه، ثم يذهب إلى الحوزة، حيث يكون الدرس عند الساعة الثامنة صباحا.
وكان قليل الخروج في النهار ، فبعد الحوزة يزور أخا أو يعود مريضا، ثم يرجع إلى البيت، ويعود للكتابة والتأليف، وقبل صلاة الظهر بنصف ساعة يقرأ زيارة عاشوراء كاملة، مع اللعن والسلام، ثم يتهيأ للصلاة والتعقيبات، وبعدها يجلس للمطالعة والمراجعة، وربما كتب وألف.
ثم يتناول وجبة الغداء، ثم يأخذ قيلولة قصيرة، وينزل بعدها للمأتم، لاستقبال المؤمنين وخدمتهم، بقبض الحقوق، وعقد النكاح، والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم.
ثم يحضر المأتم في منزله، وقبل الصلاة بنصف ساعة يتهيأ، ويتوجه للمسجد الشرقي بالشعبة – تم هدم المسجد الشرقي قبل سنوات لغرض الترميم، ومايزال قيد الانشاء – وكانت أخر صلاة أقامها السيد فيه يوم الجمعة ٢٩ ربيع ثاني ١٤٣٨هـ، وقد ودع بعدها المسجد بقراءة بعض الأوراد الخاصة، بعد أن خطب في المؤمنين.، وبعد صلاة العشائين يعود إلى منزله، لحضور المأتم الليلي، وبعد المأتم يبقى في مكتبته ليتفرغ للتحضير وكتابة الدرس الحوزوي، في كرّاسته، بقلميه الأخضر والأزرق، وربما اعتذر عن حضور المأتم الليلي لانشغاله بالتحضير للدرس. وبعد ذلك يتناول العشاء ثم ينام، وقد كان مواظبا على صلاة الليل.
وكان قليل الخروج في النهار ، فبعد الحوزة يزور أخا أو يعود مريضا، ثم يرجع إلى البيت، ويعود للكتابة والتأليف، وقبل صلاة الظهر بنصف ساعة يقرأ زيارة عاشوراء كاملة، مع اللعن والسلام، ثم يتهيأ للصلاة والتعقيبات، وبعدها يجلس للمطالعة والمراجعة، وربما كتب وألف.
ثم يتناول وجبة الغداء، ثم يأخذ قيلولة قصيرة، وينزل بعدها للمأتم، لاستقبال المؤمنين وخدمتهم، بقبض الحقوق، وعقد النكاح، والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم.
ثم يحضر المأتم في منزله، وقبل الصلاة بنصف ساعة يتهيأ، ويتوجه للمسجد الشرقي بالشعبة – تم هدم المسجد الشرقي قبل سنوات لغرض الترميم، ومايزال قيد الانشاء – وكانت أخر صلاة أقامها السيد فيه يوم الجمعة ٢٩ ربيع ثاني ١٤٣٨هـ، وقد ودع بعدها المسجد بقراءة بعض الأوراد الخاصة، بعد أن خطب في المؤمنين.، وبعد صلاة العشائين يعود إلى منزله، لحضور المأتم الليلي، وبعد المأتم يبقى في مكتبته ليتفرغ للتحضير وكتابة الدرس الحوزوي، في كرّاسته، بقلميه الأخضر والأزرق، وربما اعتذر عن حضور المأتم الليلي لانشغاله بالتحضير للدرس. وبعد ذلك يتناول العشاء ثم ينام، وقد كان مواظبا على صلاة الليل.
وعن عبادته وأذكاره يقول العامر: وكان مدمنا للتهليل (قول لا اله الا الله)، وأحيانا في المسجد الشرقي يروق له أن يصلي المؤمنون على محمد وآل محمد خمس مرات وليس ثلاثا فقط، كما كانت له علاقة مميزة وارتباط كبير بالأذكار والوراد. فيهتم اهتماما كبيرا بزيارة عاشوراء، والجامعة الكبيرة، ودعاء العشرات، ودعاء مقاتل، ودعاء السمات، فقد بدأ جلسة الدعاء في المسجد الشرقي منذ عام 1417 هـ تقريبا. وكان يستشهد ببعض كلمات العارف السيد علي القاضي، كما كان كثير الصمت، ولا يكاد يبتدئ بالكلام إلا أن يُسأل.
وعن ذائقة السيد الخطابية يذكر العامر أن السيد الراحل كان يستهويه من الخطباء من يتمكنون من استدرار العبرة، فكان سابقا يتواصل بنفسه مع الخطباء، ولاحقا تولى العامر هذه المهمة، كما كان يحاول أن يقدم خطباء المنطقة القريبين على سواهم، كالسيد واصل الياسين، والشيح أحمد الأمير، والشيخ عادل الأمير.
وعن تصدي السيد للنشاط الديني والاجتماعي يقول: كان السيد الولي الشرعي على القراءة الحسينية، في الجامع الكبير، والحسينية الجعفرية، وساحة الأربعين، وحسينية العربي ومأتمه، وحسينية المجتبى، ومسجد المرتضى في النزهة.
وفي ظاهرة لم يسبقه إليها أحد يقول الحاج عباس: “وقد مشى السيد على قدميه، من منزله بالنزهة إلى المسجد الجامع الكبير بالشعبة، ظهر يوم الأربعين عام 1434 هـ، حيث كان يعقد حفل تأبين الأربعين السنوي. ولم يدعُ أحدا إلى ذلك، ولكن كل من مر ورأى السيد يمشي يوقف سيارته وينزل للمشي معه، حتى مشى خلفه العشرات مرتدين السواد، بينهم بعض الأطفال والنساء، ولكن لما وصل السيد بالقرب من مقبرة العيوني ركب السيارة، وأكمل الجموع المسيرة مشيا معي، حتى وصلنا إلى الجامع، مرورا بساحة الأربعين، وقد حاول بعض المؤمنين الاقتداء بالسيد وإعادة الكرة في عام 1435 هـ ولكن منعوا من قبل الجهات الرسمية.
وتحدث الحاج العامر عن رحلات السيد إلى حج بيت الله، قائلا: حج السيد قديما ثلاث أو أربع مرات، وقد رافقت السيد في سفره للمدينة المنورة أكثر من مرة، وإلى مشهد المقدسة، والنجف الأشرف، وكان يقضي وقته في العبادة بالصلاة والأدعية والزيارات، وكان حريصا على أن يقيم صلاة الليل في الحرم، ويقرأ الزيارة الجامعة الكبيرة في البقيع وهو واقف عن ظهر قلب. وكان يذهب إلى الحرم ثلاث مرات: في الصباح والعصر والليل، ويزور الصديقة الزهراء عليها السلام في الروضة النبوية الشريفة.
وزار قم المقدسة، وكانت زيارة مليئة باللقاءت مع فضلائها وأعلامها والمراجع، بصحبة السيد عبد الهادي بن السيد علي الناصر.
وخلال زيارته للنجف الأشرف تشرفنا بزيارة المرجع السيد السيستاني، فقبل السيد رأس السيد المرجع، وكان في استقبالنا السيد محمد رضا ابن المرجع، وأبدى السيد محمد رضا متابعته لكتابات السيد ومؤلفاته.
عن حرصه على الصرف على الفقراء، تحدث العامر قائلا: كان رحمه الله يحلم بأن يكون هناك وقف خاص للفقراء يغنيهم، فقد أدار السيد الحقوق الشرعية بدقة وورع، وكان ابنه السيد محمد رضا يعينه في ذلك، كما عاش عيشة الكفاف.
اشترى السيد الراحل كفنه بنفسه منذ سنوات، وأوصى في حياته بلسانه أن يدفن معه ثوبه الأسود الذي لبسه على مصاب الحسين 45 سنة (يوم العاشر و ليلة الحادي عشر ويوم الأربعين) وقد كان ثوبا رثا لا يرضى بأن يستبدله بغيره.
في يوم الأربعين 1441 هـ كان الفقيد مصمما على الحضور في الجامع الكبير ليلا وعصرا، فبقي محتفظا بطاقته خلال شهر صفر، لكي يحضر ليلة الأربعين ويومها، ومن ثم ذكرى وفاة النبي.
في يوم الأربعين 1441 هـ كان الفقيد مصمما على الحضور في الجامع الكبير ليلا وعصرا، فبقي محتفظا بطاقته خلال شهر صفر، لكي يحضر ليلة الأربعين ويومها، ومن ثم ذكرى وفاة النبي.
ومن ميزات الفقيد الراحل يقول العامر: كان السيد سنويا يزور التجار في الدمام وما حولها، بترتيب مسبق، ليجمع ما استطاع من الأموال، ليعود ويصرفها على مئات الفقراء والمحتاجين، من العوام والسادة في الأحساء، ولعل آخر زيارة للدمام في شعبان 1440 هـ كان السيد حينها متعبا ومريضا، لكنه أصر على الذهاب.