تحديات أداء الصلاة في الحل والترحال
أمير الصالح
هل أديت يوما ما صلاتك كصلاة ميكانيكية لأداء الواجب فقط؟ أم أديتها صلاة عبادية مملوءة بالخشوع والتبتل منذ أن تعاهدت الصلاة حتى يومنا هذا؟
هل تصلي معظم الوقت وأنت تستشعر الخوف من الله والخشوع لله العلي القدير؟ أم تصلي معظم الوقت وأنت تخاف مما قد يقع عليك من ضرر من بعض البشر لأسباب مختلفة سواء في بلادك أم في غربتك؟
هل تنصح ابنك أو ابنتك بتوخي الحذر أثناء أداء الصلاة في الأماكن العامة كالحدائق أو المجمعات أو الرحلات الخلوية أم أنك تشجعهم على أدائها حيثما كانوا وفور دخول وقتها بغض النظر عما يدور حولهم؟
عندما تكون في سفر لوحدك لبلد غير إسلامي يغلب عليه المعاداة للإسلام أو بلد إسلامي يغلب عليه التشدد أو مع قروب سياحي أجنبي غربي أو مستخدما وسيلة نقل عامة في رحلة طويلة الوقت بدولة أجنبية، هل تجامل الآخرين بتأخير الصلاة أم تنجزها في وقتها حيثما كنت أو تنتظر لحين وصولك لمقر إقامتك وإن تجاوزت وقتها؟!
سلوكيات بعض المسلمين عند أدائهم فريضة الصلاة في أماكن ما، قد توقعهم في حرج شديد أو مشاكل مع الآخرين هم في غنى عنها نتيجة لسوء تقدير الظروف الزمكانية أو سذاجة السلوك من قبلهم. وبعد خوض بعض المسلمين لتجارب عبادية، في أماكن متشدد سكانها فكرا، سيئة العواقب قد يؤول حال بعضهم كردة فعل من سوء تصرفاتهم وتقديرهم فينقلب بعضهم على أعقابهم بترك الصلاة.
إيمانا مني بأن الله أنزل لنا الإسلام رحمة بنا وهداية لنا (طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى … الآية)، فإني سأشارك مع القراء بعض تجاربي بانتخاب سلوك محدد في أداء واجب الصلاة في أماكن متفرقة من العالم. لن أتكلم عن أي شخص أو مشاهدتي لغيري في هذا الصدد وسأحجب ذكر بعض المناطق وبعض الدول عمدا لإثراء الحوار.
كمقدمة للموضوع أود أولا أن أشكر والداي، فجزاهم الله خير الجزاء على تعليمهم إياي أداء الصلاة في أوقاتها وتربيتهم اياي على الخشوع أثناء أداءها واحترام فريضة الصلاة؛ وأشكر أخي علي لفضله في تعليمي تراتيب وأحكام الوضوء وأركان الصلاة وأحكامها ومبطلاتها. كبرت واكتشفت العالم المحيط بي وبما فيه من اختلافات مذهبية ودينية وعقائدية وتجاذبات كلامية وسجالات تاريخية ووجوب ملاحظتي لتلكم الاختلافات أثناء اداء صلاتي في اي بقعة من العالم أكون. ثم كبرت أكثر واطلعت على الاحتقانات الطائفية والحروب الدينية والحروب الأهلية في أصقاع العالم والتشنجات العرقية وتداخل الدين بالسياسة ووجود وانتشار حالات التطرف في العالم وظاهرة الإسلاموفوبيا وصعود التيار اليميني في العالم ومواقف اليسار وبزوغ ظاهرة الإلحاد و ..و… الخ. ولكون كل إنسان له عقائده التي يعتقدها وتنعكس بعضها في سلوكه وتعامله مع الآخرين، وجب ذلك مني الاحتراز حيثما وأينما أقيم صلاتي كمسلم يمارس واجباته العبادية المطلوبة منه في حله وترحاله. كما أراعي كلامي والمواضيع التي أخوضها مع الآخرين، علي أن أراعي مكان أداء صلاتي أيضًا.
في الفقه القانوني المتعارف عليه، يراعي القانون الحفاظ على الكليات الخمس: الدين والعقل والنفس والمال والشرف. إلا أن حالات الاعتداء والهتك التي تقع في أرجاء المعمورة تؤكد بأن هناك اُناسا لا يقيمون وزنا للحرمات وينتهكونها ليلا ونهارا. وهذا وذاك يستدعي من الإنسان العاقل توخي كامل الحيطة والحذر لكي لا يكون فريسة سهلة للمتطرفين وشذاذ الأمم ومنتهكي المقدسات. هنا يبرز للمتنقل بين القارات والدول سعيا للرزق أو العلم أو العلاج أو الاستقرار، أنه في تزاحم بين مراعاة الصراع الإيدلوجي في العالم المحيط ووجوب أداء الصلاة خمس فروض يومية في أوقاتها المحددة؛ وقد لا يتاح الإنسان في أداء واجباته الدينية اليومية التواري عن أنظار الناس. والصلاة في نظر البعض هي بمثابة إعلان صارخ للإنتماء الفكري وقد تعني في مخيلة ذاك البعض المتطرف أنها علامة تحدي لهم أو تشكل تهديدا لمنظومتهم الاجتماعية كما هو المشاهد من حزب باغيدا الألماني!! فما هي الحلول والسبل لمعالجة هكذا تزاحم بين أداء الفروض ومكان الأداء؟
شخصيا عملت تقسيمات زمكانية عند أداء الصلاة مع قراءة مؤشر كل محيط اجتماعي أكون متواجدا به وقراءة التوجه الإعلامي لتلكم المنطقة وإعلامها المحلي والإعلام العالمي في التعاطي مع آخر أحداث العالم الإسلامي يومذاك. فمن تقسيماتي الذهنية هو أن صلاتي في:
١- المساجد التي أستقرئ سيطرة تيار متشدد عليها، ولم أجد بديلا عنها، تكون صلاتي فيها سريعة وبعد أو قبل تقاطر المتشددين للمسجد؛ فلقد سجلت بام عيني سبا وقذفا تعرض له رجل مسلم بعد أداء صلاته من قبل متشددين لاختلافهم معه مذهبيا. وقد طردوه من بيت الله فقط وفقط لأنه يسبل في صلاته!
٢- السفر بالطائرة مع شركة نقل أجنبية غربية، تكون صلاتي جلوسا وأنا في مقعدي مع مراعاة خفض الصوت لحجب اي همسة أو إشارة أو زوبعة قد يحدثها أحد الركاب اليمينيين المتطرفين. فتوجيه تهمة إرهابي في حق كل مسلم يؤدي صلاته داخل الطائرة من قبل بعض الركاب قد تؤدي إلى إلغاء رحلة الراكب المتهم كما قرأنا في بعض الحوادث في بعض الأوقات المشحونة.
٣-السفر بالطائرة مع شركة نقل أجنبية شرقية: تكون صلاتي مخططة على أن أنجزها من جلوس وأنا في مقعدي مع مراعاة استكشاف إمكانية أدائها من وقوف إن أمكن ذلك. مع مراعاة عدم الجهر بالصوت.
٤- مع مراعاة الظروف والأحداث الزمكانية، في أماكن الترفيه العائلي الخاصة في دول الغرب، أحاول استكشاف الأماكن المتوارية عن أنظار الجمهور وأداء الصلاة فيها بأسرع وقت ممكن. تكون الصلاة حين ذاك مجردة من أي مستحبات والاكتفاء بالواجب من الأذكار.
٥- في اماكن العمل بمكاتب أجنبية خارج البلاد كموظف عند شركة أجنبية لا توفر مكتبا خاصا أو مكانا مستقلا لأداء الصلاة، اضطر حينذاك للعودة لمكان الإقامة وأداء الصلاة هنالك في وقت الغداء إذا كان مكان الإقامة قريبا. أو أداء الصلاة في المكتب بعد انصراف الموظفين وقت الغداء.
٦- في أماكن العمل بمكاتب أجنبية خارج البلاد كموظف منتدب من قبل شركة محلية، أصلي بمكتبي المخصص وأنا في حالة خشوع تام وتبتل.
الطلاب المبتعثين لهم تجاربهم
وقد تكون تجاربهم كنوزا ملهمة في استحصال حق توفير مكان للعبادة كما حدث في بعض الجامعات الأمريكية كجامعة أريزونا بمدينة تيزون بولاية أريزونا بالولايات المتحدة. المسلمون في ديار المهجر من أبناء الجيل الأول والثاني والثالث هم أيضا في ذروة الإثراء بتجاربهم في هذا الموضوع، والمواضيع ذات العلاقة، لاسيما من هم كثيري السفر من حاملي الجوازات ذات الوقع المختلف؛ ونتطلع لأن نسمع لتجاربهم.
تنصل: هذه المقالة تعبر عن تجربة الكاتب في إنجاز أداء الصلاة وإدارة أداء الفروض تحت ظروف زمكانية مختلفة بناء على تقييم الكاتب لوضعه يومذاك، وليست المقالة بصدد طرح أي استفتاء أو ابداء أو ترجيح اي رأي فقهي. يرجى ممن يود الاستفتاء الرجوع لأهل العلم للإفتاء.