أقلام

وراء الظل

السيد فاضل آل درويش

يمر الإنسان بأوقات صعبة يفقد معها حالة الاتزان الفكري والوجداني ويميل فيها إلى الخمول والكسل، فضلًا عما يصيبه من استنزاف طاقته النفسية من خلال اجترار الآلام ومحطات الإخفاق الماضية وإلقاء اللوم على نفسه للوقوع فيها، وهذا التحسّر والندم سلبي لا جدوى منه ويزيد الأمر استفحالًا ووبالًا، وذلك أنه لا يفكّر في الأخطاء وكيفية تجاوزها بقدر ما هو يداعب مشاعره ويجلد ذاته، ويعيش في دوامة من التيه والضياع والتعلّق بماض لا يمكن استرجاعه أو تغيير تفاصيله، كما أنه يواصل تسلسل الخسارة والاستنزاف بتضييع حاضره وفقدان ثقته بنفسه وبقدرته على الخروج من عنق الزجاجة والنهوض مجددًا، وهذه المرحلة من الفراغ يعاني فيها تدميرًا لصحته النفسية ودواخله الوجدانية، ويفقد معها الإحساس بكل جميل يمر به بعد أن تقطّعت خيوط الأمل بتجاوز تلك المرحلة الحساسة والصعبة، وليس من السهل على الإنسان أن يفقد بوصلة حركيته وتفاعله وجهوده بالعمل الحثيث على تحقيق أهداف وآمال تمتطي مركبة الزمن وتنتقل به من يوم إلى يوم الآخر، كيف وقد تلوّنت أيامه بلون الخريف وتساقط الأوراق والذبول والاتجاه نحو النهاية المؤلمة!!

ودون شك أن الحياة الأسرية والعلاقات الاجتماعية تتأثّر بحالة الإحباط والشعور بعدم وجود قيمة لحياته ووجوده، حيث يشعر بميل إلى حياة العزلة والابتعاد عن التواصل مع الآخرين ويفقد متعة الجلوس مع أحبابه وتبادل أطراف الحديث معهم، وأما دوره الوظيفي وتحقيق طموحاته في الحياة فتذهب أدراج الرياح ويتلاشى معها الرغبة في القيام بأي نشاط أو إنجاز ولو كان بسيطًا، وهذا يعني تحطيما لكل ما هو جميل في حياته وتتدهور صحته النفسية مع مرور الأيام لشعوره بأنه أصبح عالة على الآخرين ولا وجود له في حياتهم واهتماماتهم.

المحرّك الفعلي لخطوات الإنسان هو ذلك الدافع والمحفّز الذي ينخرط به في ساحة العمل والميدان المعرفي، بحثا عن مكان يناسب أهدافه وتطلعاته التي ترى النور يومًا بعد يوم كبذرة ألقاها في الأرض وسقاها بجهوده وسعيه الحثيث، لتُسرّ نفسه وهو يرى أهدافه كنبتة تترعرع وينتظر إثمارها ونتائجها، والشعور بالفراغ وتقمّص دور الضحية للظروف القاهرة يبقيه خالي الوفاض وصفر اليدين، فكل يوم جديد يمثل تحديًا لقدراته ومجالًا لتحقيق شيء من أهدافه التي لا تتوقف ما دام فيه عرق ينبض، فالحياة آمال نستشعرها حقيقة – وليس وهمًا أو أحلامًا – تخامر عقولنا كأفكار ندرس أوجهها ونتعاطى تفاصيلها، ومن ثَمّ ننطلق في ميدان الحياة لتبصر النور ونتعامل معها بخرص ومهنية وجدية، ومهما كانت الظروف والعراقيل التي نواجهها فهي ليست إلا محطات اختبار لجديتنا، كما أنها تصنع منا نفوسًا قوية قد تسلّحت بالنفس الطويل والتخطيط المدروس والمراقبة والمعالجة المستمرة لاكتشاف أوجه التقصير والأخطاء.

اتخاذ القرارات المناسبة والمبنية على دراسة وتخطيط ونظر في النتائج تشكل معلمًا مهمًا من معالم الشخصية الناجحة، وعندما يعيش الفرد عالم الفراغ وضياع الأهداف والتململ فسيؤثر بشكل كبير على همته وقدرته في اتخاذ القرارات الحاسمة، وسيواجه وضعًا نفسيًا صعبًا يبقيه في حالة التردد والبقاء في وضع هامشي لا حراك فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى