الهفوفي : الانحلال حالة مدروسة ضمن استراتيجية بعيدة تمارسها مؤسسات عالمية
مالك هادي – الاحساء
” الانحلال الاخلاقي هو وباء الإنحدار الكبير عن قيم الأخلاق والإستخفاف بالآداب العامة وذلك بمظاهر متعددة تتمثل في فقدان الحياء من الدنس والتلذذ بالقبيح والرجس والتظاهر بالعري والمجاهرة بالرذيلة والتباهي بالحيوانية ، وهو مرض يؤدي بالإنسان إلى التمادي في المعاصي ولا يكترث المنحل أخلاقيا بالعواقب الوخيمة المترتبة على شنيعة فعله ” بهذه المقدمة استهل سماحة الشيخ اسماعيل الهفوفي إمام جامع الإمام الحسين عليه السلام بحي الخرس في الأحساء حديث الجمعة لهذا الاسبوع .
وأكد الشيخ الهفوفي بأن المنحرف يزداد شيطنة فلا يكتفي بالذنوب المعتاد عليها ، بل يبحث عن قبائح أكثر شناعة ، ولذلك يتجاوز الحدود الطبيعية إلى الشذوذ عن دائرة الفطرة الانسانية ، فهو يتسافل عن الدائرة الحيوانية وصولا إلى حالة السادية ، بل يبيح لنفسه كافة المحظورات من الإباحية المطلقة .
وذكر سماحته بأن الانحلال قد يكون حالة فردية ولكنه قد يتحول إلى ظاهرة اجتماعية ، تتشكل فيها جماعات من الذئاب المتعاضدة ، تحوم حول الجيف النتنة بهدف الفتك بقيم الطهارة والفضيلة ومسخ الإنسانية ، وهو منتهى السقوط الإنساني .
وبين الهفوفي أن التفسخ الأخلاقي المعاصر ينطلق من ازدراء وتجاوز الدين والإله والإيمان بمبدأ المادية والتمحور حول عبودية الذات في سبيل الحصول على سراب عبر تضخيم اللذة والمتعة الآنية التي تنحصر في دائرة الدنيا فقط ، أما الآخرة في نظر هؤلاء فإنها من الأمل البعيد الذي قد يكون وقد لا يكون .
وحذر الشيخ الهفوفي من أن الأصابع الخفية تستهدف إلى عولمة الانحلال والفجور في مشارق الأرض ومغربها ، فقال : هي ليست حالة فردية ولا تمثل حالة عفوية ، بل هي حالة مدروسة ضمن استراتيجية بعيدة المدى تمارسها مؤسسات عالمية ، وظيفتها تتمثل في تصدير الفواحش والنهم الحيواني إلى المجتمعات لتبدير القيم الأخلاقية فيه ، وتشويه الفطرة السوية ، وزعزعة كيان الأسرة باعتبار أن الاسرة هي الأساس للمجتمع القوي والسليم .
وأكد أن هذه المؤسسات تهدف إلى تبديل المنظومة الفكرية من منظومة تؤمن بالتوحيد وركيزتها الإيمان بالله إلى نظر الجاهلية والإلحاد وتمجيد الشيطان وطقوسه ، فهي تخترق المجتمعات اليوم باسم الحرية الفردية ، وباسم الحقوق الإنسانية .
وحول أساليب هذه المؤسسات قال الهفوفي : وتستعمل هذه المؤسسات الفن الهابط كأداة ، ووسائل التقنية الحديثة بمغرياتها لبث السموم ولإستنشاق الإغواء الممنهج عبر سياسة التدرج إلى مستنقع الرذيلة .
ومن خلال التلقين المكثف وتكرار المشاهد الباطلة والمنحرفة حتى يتولد لدى الإنسان قبولا نفسياً بالمعصية فلا يستنكرها ، وقد يصل إلى مرحلة تحبيب الفواحش في النفوس ، فيفتخر بها في المجالس .
و أمعنت هذه المؤسسات نماذج قذرة في تسويق الانحراف عند الناس وصياغة التبريرات لها بغطاء إنساني بهدف أن تلمع فيها الأرجاس .
وتحدث سماحته عن آثار الانحطاط الاخلاقي اليوم فقال : فهو يغتصب جمالية الطفولة ويتلاعب بفطرة البراعم ويعبث ببراءتها فيستغل هذه الألعاب التي تكون في متناول الأيدي لتعزيز السلوك العدواني والتمرد على القيود الأخلاقية عبر إثارة الغرائز البهيمية لكي ينشأ الجيل على الأفكار المنحرفة وتقديس المجون .
وأكد أن التحرر الأخلاقي الذي نجده يخامر عقول الشباب ، فيصيب التفكير العقلائي الذي يتمتع به الشاب بالشلل ويهيمن عليه سعار الشهوات والاستهتار بالقيم وشيم الرجولة وسيطير عليه الغضب والتنمر الحيواني ، فيتمرد على القيم والأعراف والقوانين ، فينشأ قطيع طائش يفتك بالمجتمع وبسلامته .
ومن جانب آخر ذكر الشيخ الهفوفي أن من أسباب الانفلات والانحراف سوء التربية والعطش العاطفي بين الاسرة الواحدة ، وفقدان التقدير النفسي والاستيعاب الاجتماعي وغياب الاسوة الحسنة داخل المنزل وفي عموم المجتمع ، والتساهل في رفاق السوء ، وضعف الوازع الديني وتلاشي الاحساس بالمسؤولية ، وقال : بمجموع هذه الامور تتولد قابلية المجتمع للذوبان الثقافي في حضارة أخرى وللإنصهار في مشروع الإنحلال الاخلاقي مما يصيب المجتمع بالشلل ويعرقل المسيرة التنموية . فالمنحل اخلاقيا ينعدم فيه الاحساس الوطني فلا ينتج ولا ينفع ولا يثمر وهذا من الصراع بين الحق والباطل وهو ازلي قائم .
وحمّل سماحته كل فرد مسؤولية اختياراته ، فالمحيط الفاسد مهما بلغ شده في تسويق الزيغ بين الناس فإنه قد يعرقل بنحو ما ، لكن المحيط الاجتماعي لا يتحكم في الخيارات تحكما جذريا .
كما حذر من أن يتسربل إلى مفاصلنا اليأس وأن يتخمر في أذهاننا الوهن والضعف ، فقال : بل علينا أن نبادر إلى التربية الوقائية عبر رعاية الأحداث من أبنائنا والاهتمام بالشباب من الذكور والإناث من خلال التربية على الطهارة بعيدا عن الدنس ، وغرس الأخلاق الفاضلة والنبيلة والتقيد بالآداب العامة وتأصيل الثقافة الإسلامية الصحيحة في هذا الجيل .
وفي ختام حديثه أكد على أن الاسرة هي الدعامة الأولى التي يتلقى منها الأجيال التربية الصالحة فيتطلب تحصين الاسرة لمتابعة واحتواء هذه الحالات بالحوار الهادئ المتزن .
و أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع ، فتتكاتف الجهود باستخدام كل الوسائل المشروعة كالتقنية الحديثة في نشر الفضيلة ومحاصرة حالات المعصية والرذيلة .
وأكد على أهمية ممارسة النقد الاجتماعي المسؤول عبر فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن قيوده الشرعية .