الموسى : اتباع الهوى سبباً في الاضطرابَ والتناقُضَ في المواقِفِ والآراءِ والأحكامِ
مالك هادي – الأحساء
“هوَى النفسِ يشدُّ الإنسانَ بالشيءِ ويجعلُ قلبَهُ متعلقًا بِهِ إلى درجةٍ تُفقِدُهُ القدرةَ على فَهمِ الحقائِقِ وإدراكِها فمَنْ يتَّبعُ هواهُ لا يفكرُ في الحقيقةِ بلْ يفكرُ كيفَ يصلُ إلى مبتغاهُ دونَ قيدٍ ولا شرطٍ” بهذا افتتح إمام مسجد الإمام الكاظم ببلدة العمران في الأحساء سماحة الشيخ عباس الموسى حديث الجمعة .
تحدث سماحة الشيخ الموسى عن العديدَ منَ المضارِّ لاتباع الهوى ، منها: أنهُ سببٌ للفسادِ ، و أنهُ سببٌ لفسادِ الرأيِ والفكرِ والوقوعِ في التناقضِ ، وهو موجبٌ للعقوبةِ مِنَ اللهِ لأنهُ يؤدِّي بصاحبِهِ إلى تزيينِ الباطلِ والزُّهدِ في الحقِّ وتأليهِ الهوَى فيطبعُ على قلبِهِ ويختمُ على سمعِهِ، ويجعلُ على بصرهِ غشاوةً.
وأكد سماحته بأن الإنسان لأنَّه قاصرٌ في ذاتِهِ، فلا بدَّ أنْ يعالِجَ هذا النقصَ باتِّباعِ هدَى ربِّهِ، فقال : وهذِهِ الهدايةُ تارةً تنعكسُ في كتابِ اللّهِ، وأُخرى في وجودِ النّبيِّ وسنتِهِ، وأُخرى في أوصيائِهِ المعصومينَ، وأُخرى في منطقِ العقلِ، ولوْ لمْ يفعلْ ذلكَ فلنْ يزدادَ إلَّا بُعدًا عنِ الحقيقةِ.
وحول بعضَ الأمورِ التي يحاوِلُ الإنسانُ فِيها الحركةَ باتِّجاهِ أهوائِهِ ورغباتِهِ دونَ النظرِ في عواقِبِ ذلكَ لاحقًا، قال سماحته : نلاحظُ كيفَ يتعنَّتُ بعضُ الأولادِ للوصولِ لرغباتِهِمْ، حينما يرغبُ، وحينما يخطِّطُ، وحينما يريدُ شيئًا ما، فلا يريدُ لأحدٍ أنْ يعارضَهُ أوْ يستنكِرَ عليهِ، يرغبُ في جوالٍ مثلًا أوْ سيارةٍ أوْ في سفرٍ معَ أصدقائِهِ فقدْ لا يفكِّرُ الشبابُ في عقلانيةِ الأمورِ، المهمُّ أنْ تُنفَّذَ رغباتُهُ ولوْ كانتْ على حسابِ شيءٍ آخرَ،
وأحيانًا نواجِهُ تعنُّتًا في الحياةِ الزوجيةِ، ومحاولَةَ فرْضِ ميولاتٍ ورغباتٍ باتجاهِ الآخرَ ليسَ إلَّا، قدْ يكونُ الحقُّ معَ الزوجةِ ولكنَّ جبروتَ الزوجِ ترفُضُ أنْ يمرِّرَ قولَها معَ أحقيتِهِ أوِ العكسُ، ولا بدَّ أنْ يتساءَلَ الزوجُ أوِ الزوجةُ عنِ الجَدْوَى مِنْ فرضِ الرغباتِ في ظلِّ الحياةِ الزوجيةِ.
وتحدث الموسى عن آثار اتباع الهوى بوجود الاضطرابَ والتناقُضَ في المواقِفِ والآراءِ والأحكامِ ، فقال : فصاحِبُ الهوَى قدْ يَعِيبُ أمرًا ثمَّ يفعلُهُ، وقدْ ينتقِصُ عملاً أوْ مشروعًا ثمَّ يَشيدُ بِهِ ويشارِكُ فيهِ، وقدْ يُسَفِّهُ رأيًا لأنَّ قائِلَهُ فلانٌ مِنَ الناسِ، فإذا قالَ بِهِ شخصٌ يُعظِّمُهُ عادَ إلى تمجيدِ ذلكَ الرأيِّ الذي سفَّهَهُ وقدْ يذُمُّ شخصًا ثمَّ يمدحُهُ أوِ العكسُ دونَ مسوغٍ صحيحٍ لمدحِهِ أوْ ذمِّهِ، فيكونُ ميزانُ قبولِهِ وردِّهِ للأشياءِ والأقوالِ ومدارُ مواقِفِهِ وتوجهاتِهِ أهواءَ النفسِ فحَسْب، فيقعُ في اضطرابٍ كبيرٍ وتناقضٍ كثيرٍ وفسادٍ في الرأيِ .
ومن جانب آخر أكد الشيخ الموسى على أنه علينا نحن كمجتمع أنْ نركِّزَ على ما يأتِينا وخصوصًا مِنْ جهةِ الفِكرِ، فإنَّ الفِكرَ مسؤوليةٌ والحفاظَ عليهِ أمانةٌ فعلق وقال : فمعلوماتُنا وأفكارُنا مِمَّ نستَقِيها ومِمَّنْ؟ مِنَ الانترنتِ ووسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ أوْ مِنَ القنواتِ الفضائيةِ أوْ مِنْ كُتُبٍ معينةٍ، هُنا لبُّ الكلامِ للأئمةِ، إذا كنَّا حريصينَ على مأكولِنا بأنْ لا نأكلَ إلَّا ما هوَ نظيفٌ وصحيٌّ، كذلِكَ لا نُدخِلُ في عُقولِنا وقُلوبِنا إلَّا ما هوَ نظيفٌ وصحيٌّ وليسَ ذلكَ مِنْ أيِّ أحدٍ، خصوصًا مَنْ يتحركُ في مبادئِهِ مِنَ الغربِ! مَنْ يستَقِي أفكارَهُ مِنَ الثقافةِ الغربيةِ التي لا تمُتُّ إلى الروحِ الإسلاميةِ بشيءٍ! كيفَ نسلِّمُ لهُ عقولَنا، بلْ حتَّى في التقليدِ الشرعيِّ .
وفي ختام حديثه قال سماحته : كلَّما خالفَ المرءُ هواهُ، ابتعَدَ عنِ الأخطاءِ أكثرَ، بِدْءًا بالفكريةِ منها وانتهاءً بالسلوكيةِ، حتَّى يصِلَ -بمخالفةِ الهوَى – إلى العلمِ الحقيقيِّ، وليسَ يصلُ المرءُ إلى ذلكَ إلَّا بالاتجاهِ فكرًا وسلوكًا نحوَ محمدٍ وأهلِ بيتِهِ، وعلينا أنْ ننظُرَ إلى الغَربِ لنتلمَّسَ فيهِ الحاجةَ إليهِمْ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِمْ ، واستشهد بقول المفكرُ الانكيزيُّ (برنارد شو): (ما أحوجَنا اليومَ إلى محمدٍ، فهوَ وحدَهُ القادرُ على حلِّ كلِّ مشاكلِ العالَمِ) .