المتقاعد: شخص ملهم أم نكدي دائم
على ضفاف الخليج العربي، تطلق طرائف وتعليقات مستمرة حول المتقاعدين من العمل. لعل أشهرها استنطاق الكلمة بشكل مقطع للايحاء التهكمي “مت قاعدا” وهذا من وجهة نظرهم تشخيص لحالة المتقاعد.
ومن أكثر صور الطنز في حق المتقاعدين هو تداول صور كرتونية أو وصفية للرجل المتقاعد وهو يدور بين غرف نوم أبنائه ويلح على ضرورة إطفاء المصابيح.
الواقع أن بعض المتقاعدين يعطون انطباعا بأن التقاعد هو مرحلة الكسل (والربادة) المفرطة، وكثرة إصدار الأوامر للابناء، والتدخل في شؤون المطبخ.
الكسل عادة سيئة ومذمومة، إلا أنها سارية في حياة بعض المتقاعدين، وأصدق عناوينها التسويف. إلى جانب ذلك فقد يقترن الكسل بـ (اللقافة) وزيادة منسوب الفضول، حيث ترى متقاعدين أو شبه متقاعدين يتسكعون في الديوانيات، أو دور العبادة ويقصفون بألسنتهم كل شخص يلتقونه.
في المقابل، بعض الجادين من المتقاعدين بعدما يقفزون من سفينة الوظيفة وهم في تمام عافيتهم، يكسرون حياة العمل الروتينة المملة المؤدية إلى الرتابة وتبلد الحس، بإدخال مجموعة ممارسات وأنشطة، وتفعيل هوايات جديدة في حياتهم. والإصرار على إحداث تغيير في حياتهم، ورسم صورة جميلة لأنفسهم، خارج إطار وصفهم الوظيفي السابق، أو انتسابهم إلى شركة…
شخصيا أعتقد كما يعتقد غيري بأن المتقاعد هو الأجدر بأخذ زمام المبادة داخل الأسرة. والأكفأ في خلق وتفعيل الأنشطة، لكونه الأكثر خبرة في الحياة، ولتوفره على الوقت والمال نسبيا.
في تجربة خاصة ببعض الأعزاء بعد ولوجهم مرحلة التقاعد، أقدموا على تنفيذ المبادرات التالية:
– أن يكون أكثر انتظامًا في إدارة الوقت و الالتزام بالنوم مبكرا.
– أكثر حفاوة بالأبناء والزوجة.
– بدل السفر وحده أو مع أصدقائه يفاجئ عائلته بتذاكر سفر ورحلة سياحية كاملة لجميع أفراد أسرته، واحتبس نفسه في البلد!
– أضحى أكثر صلة لرحمه وتواصلا مع مجتمعه.
– يوقظ الأبناء لأداء صلاة الفجر، وقد يعد وجبة الفطور ويتناوله معهم.
– البدء في التأليف والكتابة، وتدوين التجارب ومشاركتها، والمزيد من القراءة المتنوعة.
– يبادر بتطبيق أعمال تخفف العبء عن زوجته، كإعداد وجبة الغداء، ويفاجئ زوجته وأبناءه بغسله للأواني والملابس.
– يعدد أنشطته ويصقل مهاراته، ويحاول أن يكتشف أنشطة و مهارات جديدة.
– ينوع أماكن صلاته في المساجد، و يزيد مساحة علاقاته الاجتماعية.
– يرد المعروف لأفراد أسرته وإخوانه، ولكل من سانده من أصدقائه، على بلوغ تلك المرحلة و هو في تمام عافيته.
– ترميم الجسد من خلال الرياضة.
– عرض الخدمات التقنية والانخراط بالتطوع المجاني.
و ختاما اردد بيني و بين نفسي كلمات أنشودة ملهمة من الفلكلور الايطالي :
Bella ciao, bella ciao, bella ciao, ciao, ciao (Goodbye beautiful)
قد تشعل روح الاقدام و الاكتشاف و الجرأة في النمو للاعلى في نفسي.