الحاج حسين البو ناصر (من عشاق الإمام الحجة)
عبدالله البحراني
الحاج حسين بن عبدالله البوناصر المهنا، وشهرته (حَجي/ حسين بوناصر). عُرِف بالتُّقى والزهد والورع والتمسُّك بالشّــَرع في جميع أموره. ومن المتعلقين بالمساجد وتلاوة القرآن الكريم. مشغولاً بذكْر الله على كلِّ حالٍ. ومنزله يطلُّ على (براحة جلالي) قرب المصبغة. والده المرحوم عبدالله البوناصر, والذي اقترن بزوجتين, وأنجبتا له ثلاثة من البنين (حسين، علي، ومحمد)، وثلاثَ كريماتٍ صالحات (حجيَّة، فاطمة، وفضة) رحمة الله عليهم جميعاً.
وفي إحدى لقاءاتي مع العلامة الشيخ محمد بن محمد مهنا المهنَّا (رحمه الله) ناولتُه صورةَ الحاج حسين البوناصر(رحمه الله). فأخذها منِّي وقبَّلها ووضعها على رأسه وقال: لا يوجد له مثيل في هذا الزمان. من عشاق الإمام الحُجَّة (عليه السلام), دائم الذِّكر له، ومبيناً لعلاماتِ ظهوره. مشتاقاً لنصــرته وكثير الدعاء له. متمنياً رؤية (طلعته البهية). وكان يقرأ المقتل في مناسباتِ وفيات المعصومين (عليهم السلام) في حسينية (المهنَّا). وكذلك في منزل الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين الخليفة (رحمه الله).[١] انتهى
وكان يلتقي بالشيخ أحمد بن ملا حسين البن خليفة, ويقضون الكثير من وقتهم في مطالعة كتاب (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب).[٢] يحدوهم الشوق للإمام (عليه السلام). متوقفين عند علامات ظهوره وعن أخبار قيامه في آخر الزمان والآيات المؤوّلة به, وما ينبغي العمل به في زمن الغيبة.
وكان مضــرب المثل في النزاهة والبُعد عن الشُبُهات. فقد كان يقوم بكنس تراب دكانه من حين إلى آخر. ويُغربِل الترابَ للحصول على السحالة (وهي برادة الفضة المتناثِرة نتيجة القيام بالتصنيع)، ويتصدَّق بثَمن ما يجده.[٣]
ومن ضمن أعماله, النقش على الخواتم والمهور والجوامع, قبل توفر آلات النقش. واشتهر بتحرزه في عمله, فلم يكن يخلطُ ذهب أكثر من زبون في بوتقة واحدة أثناء الصب. احتياطا منه, لأنه قد يكون ذهب زيد أفضل من ذهب عَمرو.[٤] و يقع دكانه بجوار إخوانه (الحاج محمد وعلي) في أطراف قيصـرية المبرز. وفي الأصل كان دكاناً واحداً تم فصله بجدار غير مرتفع. يعمل في الجزء الغربي منه الحاج محمد وأخوه علي وبابه في جهة الغرب. وفي الجزء الثاني يعمل الحاج حسين بوناصر, وبابه في الشمال.[٥] وتمت إزالة هذا الدكان أثناء توسعة الشارع الرئيس في المبرز. ومن تحرزه في أمور دينه ودنياه, أنه كان يستخدم منديلاً ليزيل به الدهون العالقة بيده بعد الأكل. ويأخذه لاحقاً إلى عين الحارة ليغسله, خوفاً منه أن يذهب باقي الأكل أو الدهون إلى البيارات أو المجاري.[٦]
وبعد عودة العلامة الشيخ صالح بن ملا محمد السلطان من النجف الأشرف, في عام 1381- 1382 هـجري فتح حوزة مصغرة بمجلس بيته, لتدريس الفقه والأحكام الشـرعية. وحضــر تلك الدروس ثلة من الراغبين في طلب العلم. ومنهم (الشيخ محمد بن محمد المهنا, والشيخ عبدالكريم بن علي البحراني, والشيخ عبدالله بن حسن السمين, والشيخ أحمد بن محمد العمام المهنا). وكانت تلك أولى حلقات طلاب الشيخ صالح السلطان. وفي مرحلة لاحقة حضـر الحاج حسين البوناصر بعضاً من هذه الدروس.
نهاية المطاف
وكان الحاجُّ المرحوم حسين البوناصر مثالاً للمؤمن الصالح. نقي السيرة والسـريرة. نظيف اليد. عفيف اللسان، فهو بحقٍّ نجمٌ من نجوم الفضيلة في سماء المجتمع. خرج من الدنيا نزيهاً طاهراً. أشاد الجميعُ بسموِّ أخلاقه، وصدقه في تعاملاته، وتحرِّيه الحلال في كسْب قوته، وتركِه الكثيرَ خوفاً من الوقوع في شُبَهِ الحرام. ومن ينظر إلى صورته (رحمة الله) يلاحظ بوضوحٍ سيماء الصالحين في وجهه، وذلك النور المنبعِثَ من مُحيَّاه.
انتقل إلى رحمة الله في اليوم الحادي عشـر من شهر ذي الحجة عام 1391 هجري. ونصب له مجلس العزاء في حسينية المهنا. ندعوا الله له بالرحمة والمغفرة. وقبره يقع في الجهة الشمالية لمقبرة الشعبة, وغالبا ما أقف على قبره عندما أزور الموتى.
ومن اللطائف
أنّ أحد جيران الحاج حسين البوناصر، كان يُوقفُ دراجته الهوائية (السيْكل) قرب بيت البوناصر. وإذا رأى الحاج البوناصر الدرَّاجة على بابه. كان يقولُ : (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) حصانُ إبليس على باب داري![٧] ثمَّ يأمر بإبعاده عن الدار، بل ويزيلُ التراب (الأثر), والذي خلَّفته الدرَّاجة أمام داره، اعتقاداً منه بنجاسته.[٨]
[١] لقاء معه في حسينية المهنا في عام ١٤٣٠هـجري.
[٢] إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب, تأليف الشيخ علي اليزدي الحائري, المتوفى عام 1330 هجري, ودفن في الحائر الحسيني. سكن كربلاء المقدسة لحوالي خمسة وستين عاماً. وبعد وفاته تم طبع كتابه عام 1384 هجري. وللشيخ اليزدي عدد من الكتب القيمة. ومنها, السعادة الأبدية في ذكر الأخبار العددية. وخلاصة الأخبار العددية. ومنظومة في علم الفقه (من الطهارة إلى الزكاة مشتملة على المدارك والاستدلالات). المصدر : مقدمة كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب, تحقيق السيد علي عاشور.
[٣] وموضوع تحرزه في عمله متداول في مجتمع الصاغة. ويقال أنه كان يحرص على إعطاء صاحب المصاغ (سحالة) الفضة الخاصة به بعد قيامه بالنقش على الخواتم. والصاغة يطلقون مسمى (الجماعة) على (تراب أرضية الدكان).
[٤] لقاء مع (خادم الحسين في هجر), وسبق لنا التعريف به في موضوع (أبا العلماء) السيد هاشم العلي.
[٥] وكان (أخوه) الحاج محمد بوناصر يعمل حملاداري لخدمة حجاج بيت الله الحرام, هذا بجانب عمله في الصياغة.
[٦] إفادة من الأخ الفاضل عبدالهادي بن العلامة الشيخ محمد بن محمد المهنا.
[٧] ذَكَرَ لنا هذه الحكاية الحاج حسين بن المرحوم حسن بوكنان.
[٨] ويقال أنَّ مصدر تسمية (حصان إبليس) : بأن المُبَشِّر المسيحيَّ الأمريكيَّ (زومير)، عندما قَدِم إلى البحرين في بداية القرن العشرين الميلاديِّ. بدأ يدعـو أهلَ البحرين إلى المسيحيِّة. ونفرَ الناسُ منه وأطلقوا عليه لقب (إبليس) لأنه يدعوهم لدين غير الإسلام. وفي إحدى زياراته لبلده أحضـر معه دراجة هوائية (سيْكل)، وكانت شيئاً جديداً على المجتمع وغيرَ مألوف لديهم. فأطلقوا عليها (حصان إبليس). إشارة إلى أنَّ (زومير هو إبليس) وأن الدرَّاجة حصانه. (المصدر : كتاب القوافل للأستاذ خالد البسام). وفي الحجاز, كان يطلق على الدراجات حمير الشيطان. (المصدر : الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود خوجة, جريدة أم القرى, العدد 406 عام 1351هـجري).