إماطة اللثام و معرفة الواقع
الواقع إن صراع الأفكار والأيديولوجيات صراع شائك
وممتد عبر الأزمان. والساحة الكونية مليئة بكل التوجهات التي تقتل الوقت بالكلام والتنظيرات غير المنتهية، بعنوان صراع الأيديولوجيات.
قد تكون المقاصد واضحة وجلية لأهداف تلك الأيديولوجيات في ذهن كل من أعطاه الله نصيباً من التفكير السليم، والتدبرالصحيح، والدراية الفكرية. إلا أنه مع وجود كثير من الغبار والغيوم والستائر
والأقنعة والفخاخ ، قد لا يستطيع الكثير من الناس معرفة حقائق تلك الأيديولوجيات وأبعادها في الوهلة الأولى .
وقد ينزلق البعض في الانخراط مع توجه معين لحسن المظهر،وقوة الإعلان لهذا أو ذلك المؤدلج، ومع الوقت قد تنكشف للمغرر به الصورة الحقيقية في انعدام المخبر، أو عنصرية التوجه، أو انحيازية التفضيل . إلا أن الابتلاءات الكبرى، والصدمات المزلزلة مثل نزول الوباء تعطي براهين دامغة على مدى متانة اليقين، وتطابق الأقوال والشعارات، والادعاءات البراقة بالأفعال، والخطوات الفعلية، والانضباط لدى أتباع كل أيديولوجية.
في زمننا هذا ابتليت البشرية بعدة أوبئة إلا أن وباء كورونا الحالي covid 19 هو الأقوى
و الأبرز على عدة أصعدة لسرعة انتشاره و تمدده. مصاديق الإقناع وصمود الادعاءات المرفودة بالأعمال الملموسة هي أحد تلك الأصعدة التي ترفد صدق اتباع أي أيديولوجية لاقتران القول بالعمل.
في زمننا هذا شاهدنا، وسمعنا بدول تتغنى بحقوق الإنسان
وحقوق القطط وحتى حقوق الفئران ردحاً من العقود حتى غسلوا أدمغة كثير من البشر .
واليوم شاهدنا ونشاهد تنصل المتحدثين الرسميين لتلك الأيديولوجيات على الملأ عن مسؤوليتهم نحو أبنائهم من كبار السن ، وتركهم لمن هم ضعاف البنية لمصيرهم المجهول مع الوباء الفتاك.
ويأتيك أحد أبنائنا أو بناتنا المغرر بهم ليبرر تطوعاً تلك الخطوة بعنوان إن هذا القرار يتوافق وقانون الطبيعة : البقاء للأقوى !! .
لله در هكذا تعليق و احتواءه لجهل مركب، وفهم قشري لمعالم الحياة والحقوق.
كيف غابت عنك يا بني ويا بنيتي كتابات ديستوفسكي، وفولتير، وجاك ،
وإنسانية سميث، ومثاقفاتك،
وتغنيك بإنسانية هذا أو ذلك المجتمع البعيد، وماذا عن مقالاتك وأقوالك التي تتغنى بها بمجتمع بعيد يدعي حماية حقوق الكلاب، والآن يتنصل بعضهم عن الرعاية لكبار السن من البشر !! يا أستاذ للناس عيون ترى، وآذان تسمع، وعقول تقارن بها كل ما يحدث، وماحدث في زمن الوباء والكوارث الاقتصادية و الأزمات من معالجات لهو المقياس الحقيقي لصدق الادعاءات.
أين اختفى ياصاحب الحس المرهف إعرابك عن ألم قلبك الحنون، ودموعك المذروفة على ذاك الكنغر المحتجز في الغابة المحترقة بأستراليا أمام مصير ملايين البشر المحتجزين طبيًاً . وقد يكون هذا الوقت الذهبي لإظهار جميل المشاعر منك
ومني نحو أفراد مجتمعك،
و أبناء وطنك، ودينك بإطلاق مباردات إنسانية مفيدة وتبنيها ، والتشمير عن ساعديك في أعمال التطوع، وإيصال الأطعمة للجيران من كبار السن الذي يهددهم الوباء بشكل أكبر. سيحسن الجميع بك الظن إن بادرت، ونشرت الكلمة الطيبة،
ورفعت الروح المعنوية لمن هم حولك، وأدخلت الشعور الطيب إلى قلوبهم.
ألا ترى بأن الوقت حان أن تبادر لصنع الجميل لأبناء وطنك ومجتمعك بدلا عن جلد أبناء مجتمعك، والتهكم لما أصابهم
وحل بهم.
نعلم بأن مستوى التضليل والتغرير وصل إلى درجة كبيرة في أنفس بعض الضحايا، حتى أن بعضهم عند حلول وباء أو نزول كارثة طبيعية بدلاً عن التضرع لله، يسارع بالتهكم على رب العالمين، ويستهزئ بمفهوم الدعاء لله، وينتقص من أهمية دور العبادة، ويحاول أن يثير حوارات بيزنطية عقيمة عن خالق الوجود، وعن فشل العبادة لله في دفع البلاء عن أتباع الديانات الإبراهيمية. وكان الاولى أن يتساءل عن عظمة الخالق،
ويدعو للالتصاق بتعاليمه،
ويستفهم عن حال البشر لو أخفقوا في إيجاد المصل للوباء، وعن حال البشرية لو أفناها سوء أعمالها، وعن الأسقف المناسبة للحوار في ظل الأزمات .
هناك مؤمنون بالله يدركون واجباتهم الشرعية، ويسعون لمرضاة ربهم، قد أنفق بعضهم من أعمارهم الوقت والجهد والمال لمعالجة معظم حملات التشكيك الموجهة ضد الإسلام المحمدي الناصع والأصيل. فذهبوا إلى إرشاد الناس إلى حقائق الدين، وكشف المتلبس على الناس بأنه دين وهو ليس منه، فانتهزوا كل الفرص، ونبهوا النيام من الناس أو المغرر بهم لتجنب أي سلوك مخترع، أو ممارسات خاطئة تُنسب جهلا على أنها دين أو طقوس دينية و هي ليست منه .
في المقابل مع شديد الأسف أخذ البعض من الناس عن عمد، أو أغرى بهم تضليل أو انفعال بصد الناس، والترويج للصد عن البحوث الرصينة، والمعالجة المفيدة للإشكاليات الفكرية، وترويج الشبهات. كما تعمل محطات إذاعات فضائية من نوع (الإعلام الأصفر) التي غررت، وماتزال تغرر ببث سمومها فكرياً في عقول الشباب، وذلك بزرع أفكار شتى، تارة مصبوغ بِطِلاء الغلو، وتارة بالدعوة للتطرف، وتارة باسم الحداثة،
وتارة بعنوان التفكير الحر ، وتارة باسم العلم والعلمانية، وتارة بعنوان المواكبة والعصرنة . والهدف من كل ذلك بقصد أو دون قصد من قائليه هو تنفير الناس من دين الله الحقيقي.
و هذا ابتلاء آخر إلى جانب الابتلاء بالوباء .
معظم المسلمين الأوفياء لما عاهدوا الله عليه وقعوا بين سندان التطرف،أو أهل الاختراع في الدين، أو أهل السذاجة في السلوك، ومطرقة أهل الاغتراب المتغربين، أو كارهي الديانات الإبراهيمية، أو محبي انتشار الفاحشة وشيوعها، أومروجي شعارات الانسلاخ من ضوابط الدين برمته.
وتتم مهاجمة الملتزمين بقيم السماء الناصعة بطرق مباشرة، وغير مباشرة، وقد يصل الظرف الزماني إلى جلد الصادقين في أرزاقهم وأماكن عبادتهم، ورموز دياناتهم حيثما كانوا. فتارة يُعيرون بما يصنع أهل الاختراع في الدين، وتارة يُتهمون بما يفعل المتطرفين من أهل التيار الفلاني من قتل و ترويع و تفجير في الآمنين ، وتارة يُرمون بما يُستهدف بهم من قبل بعض أراذل أبناء مجتمعاتهم، أو المتنكرين لهم، أوالمتنمرين عليهم.
يقول صوت العقل: عندما يقع المجتمع في أزمة يهب الجميع لإيجاد الحلول الفاعلة، والتنبيه على الأخطاء القائمة و المشاركة في العمل الجاد بهدف الخروج من الأزمات الحالية، وتجاوز الابتلاء.
و ديدن أهل الإخلاص إرساء الممارسات الصحيحة، والأفعال المحقة، وإن قل عدد السامعين لما ينادون به .
و لعل هذا المقام فرصة لنؤكد جميعا شباباً وكهولاً، ورجالاً
و نساءاً بصوت مسموع أن بعض المنازعات الفكرية يجب تجاوزها، والعمل يداً بيد لمواجهة الوباء، وعدم السماح للبعض بجلد البعض، وإنما تنبيهه من البعض لتجنب بعض الممارسات الخاطئة في السلوك أو التعبير.
لعل الصادقين والأوفياء لأبناء بلادهم ومجتمعاتهم ليس لهم حول ولا قوة لمواجهة المعسكرات الإعلامية الضخمة من أصحاب القوة المالية والمادية الطائلة التي تعمل ليل نهار لهزيمة المجتمعات المؤمنة. ولكن لدى الأوفياء لمجتمعاتهم صورة أنقى وأفضل عن الإسلام معتقداً، وممارسة، وسلوكاً، وعبادة،
ومعاملة أنصع مما يتكلم عنه بعض الحاقدين على الرسالات السماوية في بعض الفضائيات،
و هم/ هن لا يميزون بين الصحيح والملفق.
فنحن وأنتم أدرى بإسلامنا مما يصفونه هم لنا عنه، وحقيقة الإسلام ببساطة هي التسليم لله في السراء والضراء، وحسن معاملة الآخرين من خلال الأخلاق الحميدة،. ولكن عبادة الله على حرف تؤدي بأن البغض الدفين لدى البعض ينكر على الله إن ابتلاه بشي من الجوع أو الخوف أو المرض.
وعادة ما يفرغ ذلك البعض حقده في رموز العبادة لله، وليس في الله جل جلاله، فيشنع على دور العبادة والقرآن، ولا يتورع عن تلفيق الاتهامات و القصص الفاسدة لدور العبادة و رميها بما ليس فيها.
وما قد يعطي ذلك الحانق، على الدين ذرائع عدة هو سلوك بعض السذج، والبسطاء، ومخترعي الطقوس و منتحلي التدين
وتجار الدين ممن يزورون بيوت الله و أماكن التقرب لله من خلال ممارسات تعبير خاطئة وغير صحيحة ،وغير صحية أو غير أخلاقية .
حقيقة: إن الابتلاءات هي محطات تمحيص، وتنقية وفلترة، و أعرف شخصيا أن الآخرة تعلن النتائج النهائية، أما دار الدنيا فإن الله تركها حقل عمل للجميع، وهي للعاملين الصادقين، والهابّين لخدمة بلادهم ومجتمعاتهم، يتصدّون للوباء، ولأي أزمة لاحقة بدل التهكم والتنطع والغمز
واللمز في مفهوم الدعاء والصلاة والعبادات الموجهة لله الواحد الأحد .
نقول لأولئك المخلصين : (قواكم الله ونسأله لكم العزة و دوام العافية ) . ونهمس في آذان المغرر بهم أو البسطاء في عالم إدارة صراع الأيديولوجيات : ” أعزائي، مجتمعكم يحبكم فأحبوه ، ومن تتغنون بشعاراته الإنسانية بالأمس وأنتم تحتسون القهوة في أماكن مترفة، رفس كبار السن من أبنائه، و ظلل إعلامه أبناؤه، والآن تركهم ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم.
مالكم كيف تحكمون؟
و تذكروا أن غاية خلافكم مع بعض أبناء مجتمعكم هي وسيلة البعض، أوسوء تصرفه، أو استحواذه للوجاهة او انتحاله لصفة غير جدير بها أو صراعكم معه في المنصب الذي تطمحون أنتم فيه؛ و لكن هذا لا يبرر لأي طرف أن يستخدم مبدأ الأرض المحروقة ضد كل أبناء مجتمعه .فالأغلبية الصامته من أبناء المجتمع يريدون العيش بسلام و عافية، لا أن يستخدمهم أي شخص مطية في صراعاته. والأولى أن يتواصل الكل مع الكل ليعطوا أفضل ما لديهم في مجال خدمة المجتمع، وزيادة تحصينه وليس تفكيكه. أحبتي ممن انغمسوا في جلد مجتمعهم عودوا إلى رشدكم و كونوا حجر بناء لا معول فناء “.