الفرار إلى الله
أصبحت المصافحة قلق، والقبلة على الجبين هاجس، والذهاب إلى الأسواق بغرض التموين اضطرار، والذهاب للمستشفى مؤشر إصابة بالوباء، أو تعريض للنفس لخطر العدوى.
فالإجراءات الوقائية الاحترازية المتسارعة لاتقاء شر تمدد وباء كورونا الجديد أدت إلى صدور قرارات رسمية قوية وتاريخية لم يعشها أبناء الجيل الحالي من قبل، فالأسواق تم حجبها،
وأماكن الترفيه تم إغلاقها،
وتوقفت الحياة العامة والأنشطة الاجتماعية، وتم اعتماد الدراسة عن بعد، وتم إطلاق إجازة للعمال لمدة زمنية مع قابلية التمديد،
وتم حجب المطارات، وتفعيل المعاملات الإلكترونية عن بعد،
ولعل الصور التاريخية لخلو عواصم العالم السياحية مثل باريس، وعواصمه الدينية مثل مكة المكرمة، وعواصمه المالية مثل نيويورك من الناس تهز الوجدان، وتكشف ضعف الإنسان بعد تمادي غروره.
كل هذه الأمور من قرارات أو أعمال حدثت في أقل من عشرة أيام، والإجراءات قابلة للتصعيد أو التخفيف ارتباطاً بمعدل تزايد عدد الإصابات بالوباء.
وأضحت الحالة الاجتماعية تتبنى شعار العزل الاجتماعي social distancing (الزم بيتك)، وبلغت المرحلة صورة مصغرة ومطابقة لمصاديق الآية القرآنية الكريمة : *( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ • وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ • وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ • لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) *[سورة عبس]
تزامن حدث انتشار الوباء مع حدث تدهور أسعار البترول عالمياً، وهذا الحدث وذلك الحدث المتمثل في تدهور مؤشرات أسواق الأسهم المحلية والعالمية، وأسواق العقار، وتعطل حركة السفر والتنقل بين المدن
ومعظم دول العالم، أصبحت وسائل الوسائط الاجتماعية مرتعاً خصباً لنشر صور متشائمة جداً عن المستقبل البشري.
في عالم الاقتصاد وجدنا بعض الصحفيين العالميين يطلقون كلمات رنانة بهدف تعزيز روح التشاؤم المحبط دون إرداف تفسير علمي للمصطلح على مسامع القارئ/ المستمع لزيادة الوعي، فنرى عناوين كبيرة مثل الانهيار الكبير، والكساد الكبير، وكان الأولى بالكاتب لذلك العنوان أن يثقف القراء بالمفاهيم الصحيحة والمؤشرات والمعايير المطابقة لتلك المسميات قبل إطلاقها.
بعد إعلان منظمة الصحة العالمية للعالم بان فيروس كورونا الجديد جانحة، خصصت لنفسي بعض الوقت للاطلاع على وثائقيات تعالج مفهوم الجانحة، والإجراءات الوقائية المتبعة.
ومن واقع مشاهدة عدة وثائقيات تعلمت التالي :
١- تجنب المطارات والمواصلات العامة.
٢- تغطية كامل الجسم من خلال ارتداء عازل كامل coverall.
٣-ارتداء كمامات ونظارات حماية
٤- الاحتفاظ بمصابيح إضاءة للطوارئ.
٥- الاهتمام بغسل اليدين، وتجنب لمس الأسطح في الأماكن العامة.
٦- توفير مواد مؤن كافية
و أمور أخرى.
أما في عالم الاقتصاد فقد خصصت وقتاً لفهم مصطلح الانهيار crash والكساد depression . وقد اتضحت لي معاني المفاهيم والمصطلحات بشكل أفضل.
وقد سجلت توظيف بعض الصحافيين وبعض المواقع للمصطلحات بطريقة خاطئة، لتزيد من حالات الهلع والخوف لدى رجل الشارع والعامة من الناس.
وهذا نوع من المتاجرة بمشاعر الناس، والمغالطات بهدف توظيف المصطلحات لأغراض مجهوله ستؤدي بالعامة من الناس حتماً للقيام بقرارات واندفاعات غير صحيحة.
العالم بكل صنوفه المعلنة : المتقدم والمتخلف، الأول والثالث، الصناعي والنامي يكافح ويكافح ليخرج من عنق الزجاجة. فليس صاحب الثروات قادراً على أن يجد أماكن آمنة في مكان ما، ولا الفقير الكادح بأقدر منه.
الكل من بني البشر بكل دياناته
وأيدلوجياته ودوله يواجه المصير ذاته والتحدي الوجودي. حتما بعد الأخذ بكل الإجراءات الاحترازية،والاجتهاد في مراكز البحوث الصادقة للبحث عن مصل ناجع لهذا الوباء، البعض منا انحسر مدخره في الثقة بمن يطلق تصريحات، وجود مصل،
والبعض منا انغمس في القلق،
وهناك من ليس له أدنى اهتمام بالامر، والكل يهيم بوجهه نحو السماء، وفي قرارة نفسه قناعة واحدة مفادها أنه ليس هناك فرار من الله إلا إلى الله.