أقلام

السعودية.. ومئة عام من العزلة

كمال الدوخي

مع هذه العزلة التي تعيشها عدد من المدن والمحافظات في وطني الغالي، وكذلك قرار منع الانتقال من منطقة إلى منطقة تذكرت رواية مئة عام من العزلة، بالتأكيد لا أتمنى البقاء حتى ١٠٠ يوم.

عندما شرعت في قراءة الرواية، حاولت أن أتخلص من كل ما قيل عنها، فبطبيعتي لا أقرأ كتب يتلهف لقراءتها الجميع، وأحاول أن لا أضيع تحت تضليل دعاية (الأكثر مبيعاً) و(الأكثرة قراءة).

ولكن في رواية مئة عام من العزلة، شعرت بأنني جزء من تاريخ أسرة آل بوينديا -قُدس ذكراهم- فقد حضرت زواج الأب خوسيه أركاديو من زوجته أورسولا، وكنت أشاهد تمرد خوسيه، وبحثه عن ذاته ومغامراته التي لا تتوقف عند بناء قرية نائية، كان خوسيه الأب المؤسس، قادر على مد القارئ بالأمل والحب، إلا أن مؤلف الرواية لم يشأ أن يمنح أي شخصية دور البطولة.

فالحياة برؤية غابريل غارسيا ماركيز الروائي الكولومبي الشهير، لا تقف عند شخصية أو حدث، هي تمضي دون مبالاة، والراحلون ربما يتركون ندب في أرواح الفاقدين، لكنهم بشر مثل غيرهم.

الرواية مليئة بالأحداث وزحام الشخصيات التي تحمل أسماء متشابهة، خوسيه وأورليانو وأسماء أخرى تتكرر لتعيد ذكرى من سبقوهم لستة أجيال، ربما تتيه قليلاً، لكن ستجد تشابه الأسماء تحفيز أكبر على التركيز وإعادة ذكريات أسلاف العائلة.

كانت الأم أورسولا الأطول عمراً، فقد عاصرت تلك الأحداث بآلمها، لتصبح امرأة ملهمة بصبرها على جنون عائلة آل بوينديا. فزوجها الذي رحل بها عن بلادها، واخترعاته وتمرده وعزلته وشخصيته التي ورثها لمجانين من أبنائه في تمردهم وصراعهم بين المحافظة والتحرر، يحتاج امرأة بشخصية أورسولا وصمودها.

ثورات خاضتها تلك العائلة ضد المستعمر، وحوادث وتقلبات اجتماعية واقتصادية، وحكاية قرية خلال مئة عام جعلتها من أشهر قرى العالم الخيالية (ماكوندو) أيقونة لرواية تُرجمت لثلاثين لغة وطبعت ٥٠ مليون نسخة جعلتها من أهم الروايات العالمية وأشهرها( تقديم وتأخير) لتتوج كاتبها بجائزة نوبل للآداب عام ١٩٨٢م.

ستشعر بعد قراءة الرواية بقصر الحياة، وأن لا شيء في الحياة يستحق أن نقف عنده، ستشعر بأن ليس ثمة قيمة حقيقية لدى الإنسان إلا اللحظة التي يعيشها.

قرأت هذه الكلمات، وكأنها صفعة ستبقى خالدة في ذاتي، في وقت كان يجب أن لا أقرأها “الإنسان لايموت عندما يتوجب عليه الموت، إنما يموت عندما يستطيع الموت”.

لم تنتهي رواية مئة عام من العزلة، حتى شعرت بأني جزء لا يتجزء منها، فحزنت لرحيل خوسيه وأورسولا وأرليانو وربيكا وأمارانتا والأبناء والأحفاد. عاصرت بدور القارئ تفاصيل تلك القرية، لأقف في نهاية الرواية كمن فقد أهله ينعاهم .. ألا تعودون لنكمل الرواية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى