اعقلوها وتوكّلوا
لا أريد أن أصدمكم بهذا الخبر شبه المؤكد، ولكن من حقكم عليّ أن أصارحكم به، على مبدأ: صديقك من صدق معك، لا من صدّقك؛ وجاء في ذلك الخبر أنه قد توصلت دراسة لجامعة (إمبريال كوليدج لندن) الإنجليزية، وهي إحدى أهم جامعات العالم، إلى أن مكافحة فيروس «كورونا المستجد» يمكن أن تستمر لمدة 18 شهراً، مؤكدة أن الحياة بعد ظهور فيروس «كورونا» لن تكون هي نفسها أبداً قبل ظهور الفيروس – انتهى.
أرجو ألا يطلق عليّ أحد منكم اسم: (أم قويق) -كناية عن التشاؤم- فما أنا إلا مجرد ناقل لدراسة، و(ناقل الكفر ليس بكافر). فيجب ألا نرتعب أو نحزن أو نقنط، فهي كلها مجرد 18 شهراً، يعني سنة ونصف السنة، وتمر أمامنا كسحابة صيف، ومع ذلك جعل الله (فالهم في نحورهم)، ويزيل هذه الغمة عنا خلال 18 يوماً، لا 18 شهراً، ونعود بعدها كما كنا، نسرح ونمرح.
المهم، ثم المهم، ثم المهم، أن نتقيد بالتعليمات، ونلزم بيوتنا، ونترك الاستهتار و(الغشمرة). واسمحوا لي في هذه المناسبة أن أنقل لكم رأيين: الأول للدكتور المصري مصطفى محمود الذي يقول: إذا نزل مؤمن وكافر إلى البحر، فلا ينجو إلا من تعلّم السباحة، فالله لا يحابي الجهلاء؛ المسلم الجاهل سيغرق، والكافر المتعلّم سينجو. والثاني هو للمؤرخ العراقي علي الوردي الذي يقول: عندما انتشر وباء (الكوليرا) في العراق، إبان الحكم العثماني، حجز اليهود أنفسهم في بيوتهم بأمر الحاخامات، فسلموا من الموت. وعندما سأل المسلمون مرجعياتهم، الشيعيّة والسنيّة، جاء ردهم: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، فماتت أعداد كبيرة من الناس، وأبيدت قرى بأكملها – انتهى.
صحيح أنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، وهي حق، ولكن لا بد من الأخذ بالأسباب لنحصن أنفسنا؛ قال المولى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، لأنه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر. ونبي هذه الأمة يقول: اعقلها وتوكل، وكذلك: لا ضرر ولا ضرار؛ وهذا مقصد عام من مقاصد الشريعة، فمتى صار استعمال الحق ضاراً بالغير، حتى يتذمر بعضهم من المكوث في المنازل؟!
وضحكت، رغم أن الظروف غير قابلة للضحك، عندما قال لي فيلسوف زمانه: إن الفرقة الناجية في زمن «الكورونا» هي فرقة المعتزلة -يقصد المستقرين في بيوتهم- والفرقة الهالكة هي فرقة الخوارج -يقصد (المبرطعين) بالشوارع- على حل شعورهم من دون أي إحساس بالمسؤولية.