حوارية ( 52): الخمس غير واجب في الشريعة هل هذا الكلام صحيح؟
كما ورد في كتاب الخمس للمؤلف السيد مجتبى الروبهاني (تقرير أبحاث السيد الاعظم أبو القاسم الخوئي طباعة دار الهدى للطباعة والنشر)
المسألة ٤: الأحوط بل الأقوى عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة، فيجب عليه الخمس إذا كان من أرباح المكاسب، إلا إذا احتاج إلى مجموعة في حفظ وجاهته أو إعاشته بما يليق بحاله.
السائل :
اعلم يا أخي لو لم يكن الخمس لما شاهدتَ هذه الصرعات، ولو فهم أبناء المجتمع ما لهم وما عليهم من حق شرعي لعشنا متحابين في صف واحد وصلاة واحدة؟
الجواب:
باسمه تعالى:
مقدمة:
لستُ بصدد مناقشة هذا الرأي من السيد الخوئي قدس سره، وإن كان فهمك له غير دقيق، ولكن سنناقش الخمس من زاوية مختلفة فيكون السؤال:
ما هي فائدة الخمس في مختلف أبعاده؟
نقول:
للخمس فوائد كثيرة على مستوى الفرد والمجتمع وبناء الحضارة والاستقلال الاقتصادي، ففريضة الخمس واجبة وإن قصّر البعض في الحفاظ على الأمانة كما ينبغي، ولكن الكثير أداها ولله الحمد فعفّ كثير من الفقراء والمساكين، كما ساهمت الجمعيات في توصيل موارد الخمس في كل الأقطار، ولا ننسى أن الخمس هو حق للأمام الحجة عليه السلام فيجب صرفه في كل بقاع الأرض أينما وجدت موارده المقررة، ومنهم الفقراء والمساكين والمحتاجين عموماً.
فلو أن هناك منطقه أحوج للخمس أكثر من غيرها، فلها حق العطاء دون النظر إلى جغرافية المستفيد.
السائل :
الخمس هو من الفروع وفيه اجتهادات وآراء فقهية عامة لمصلحة المجتمع، ولو دخل بها الفقراء لن ترى سيداً فقيرا استثني ولا فقيرا أستبعد، ولو فعّلت الأوقاف لسدت الاحتياج. وهناك آراء تقول لا خمس بزمن الغيبة، وتفاصيل الخمس كثيرة وعليك قراءة بحوث الخمس ولا سيما بحوث السيد الخوئي.
الجواب:
قرأتها ووصلت بالبحث والتقصي أنها واجبة بلا شك ولا شبه، بل لو لم توجد لضاعت أمور كثيرة، منها التكافل وضياع الحوزات وقلة التأليف، ولها أضرار كبيرة على مستوى المذهب ، فيلزم أن يكون الخمس موجوداً لصلاح المذهب فلا تقل ذلك. فأنت لم تذق طعم الفقر والحاجة والتشرد والحروب وغيرها من الآلام والمآسي، لذا نحن نحرز بضرس قاطع أن الخمس له فائدة اجتماعية مهمة جداً لا ينكرها إلا من ليس له نظر ودقة في الأدلة العقلية والنقلية.
ثم كلامك يحتاج لدليل عملي، فتعال لنرى حكم الخمس عند السيد الخوئي رحمه الله في كتاب الخمس في فصل ما يجب فيه الخمس عبر ( تقريرات الشيخ مرتضى نجل المرحوم آية الله الحاج الشيخ علي محمد البروجردي قدس (1)
يقول السيد الخوئي فيما يجب فيه الخمس، وهو سبعة أشياء :
(الأول)الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم بشرط أن يكون بإذن الإمام عليه السلام من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه، والمنقول وغيره كالأراضي والأشجار ونحوها بعد إخراج المؤن التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعي ونحوها، منها – وهكذا يكمل البحث في موارد الخمس حتى يصل لليتامى والفقراء وبني هاشم وابن السبيل من ص 4 إلى صفحة ٢١٢
طبعاً قلت لك نحن لسنا بصدد مناقشة آراء الفقهاء في الخمس نحن بصدد جواب محدد وهو:
ما هي فائدة الخمس في مختلف أبعاده؟
السائل : الخمس ليس كما تقول فله آراء متشعبة وكثيرة وليس بها دلالة على تسليم الخمس،
بل يحتاج إلى دراسة، وسأرسل لك بعض الآراء.
الجواب :
يا عزيري أنت استشهدت بالسيد الخوئي رحمه الله، وبينا أن فهمك غير دقيق فيما نقلت فهو عليك وليس لك، وما نقلته فرع من فروع مسائل الخمس كلها، فلا يؤخذ الخمس من جانب واحد كيف لا والسيد الخوئي رحمه الله يرى وجوب الخمس للمكلفين كما بينا سابقاً. وهناك فرق بين البحوث الاستدلالية وما هو اللازم شرعا للمكلفين، والبحث طويل جداً لا يمكن اختصاره في رسائل وات ساب
السائل :
البحوث الاستدلالية كثيرة، ومنها أنه لا خمس في زمن الغيبة، والعوام يريدون ما يضفي عليهم السعادة فيما يصرفونه بقناعتهم، فعندما كان بالأحساء وكيل واحد لم نسمع أي حديث صدر عن أحدهم عن الخمس، وعندما صار الوكلاء أكثر من الطلبة رأينا المهازل، والمكلف هو من يتصرف، لا يتصرف غيرة على الإسلام، بل يريده معزة الإنسان لا خنوعه، وما ذكرت من استدلال ليس قرآنا منزلا، وليس إجبارا دفعه لوكيل تصرف حسب ما تراه، ولو طبق ما جاء في الرسائل لا يبقى خمس، ومن الذي يخمس؟
إنه المسكين الضعيف، أما الأثرياء فيتوجه إليهم ، ومنهم من خدع أن لا تقبل الأعمال إلا بخمس ، وهذه مصيبه خدعتنا سابقا، ولما فهمنا نجينا ولله الحمد.
الجواب:
هداك الله يا أخي، كلامك فيه مبالغة كبيرة هنا لن أقف عند مفرداتك، ولكن ليس مبرر لك ولا أنت مبرأ أمام الله سبحانه في سقوط الخمس بحجة أن هناك فاسدين حسب وجهة نظرك، فاتق الله سبحانه ولا تربط فريضة الله بأفعال العباد سبحانه، وتجعلها سبباً في منع واجب فرضه الله على عباده.
السائل : اِطَّلِع وستجد من كبار علماء الشيعة من ينكر الخمس.
الجواب:
كلامك غير دقيق -كما بينا- وعلى تفصيل في محله، ونعود لسؤلنا المركزي:
ما هي فائدة الخمس في مختلف أبعاده؟
الجواب يا أخي العزيز على سؤالنا المحوري هو للخمس فوائد مهمة ومتعددة نذكر بعضها :
1- التكافل الاجتماعي وهذه ضرورة أخلاقية وضرورة اقتصادية، فلو بقي المال عند فئة وحُرم منه أخرى يختل النظام الاقتصادي، وله شبيه في مصطلح اليوم باسم الضريبة، وقد تستعمله الدول لو مرت بأزمة اقتصادية.
2- استقلالية القرار لمن بيده زمام الخمس، بحيث لو كان صاحب القرار لا يملك استقلالاً فحتما سيخضع للنظام الموجود ليُقهر بعد ذلك، أضف أن هذا الكلام مطابق للآيات والروايات حسب بحث مفصل ومعمق نتركه في محله، ثم إننا مأمورون من قبل مولانا الصادق عليه في حال الاختلاف أن نذهب إلى الأشهر،
كم ورد في الرواية لمقولة عمر ابن حنظلة في التعامل مع الروايتين المختلفتين، حينما قال له ( خذ بأشهرهما… وكذلك قوله تعالى ( فإن لله خمسه….) وإن اختلف في عموم مفهوم الغنيمة لكن الأشهر أن كل مكسب زائد عن الحاجة ففيه خمس.
3- الخمس له موارد أخلاقية وحالات إنسانية وهذا مطلب حضاري مهم، فالإنسان إذا كان عنوان عطائه شكر المنعم الذي وهبه الرزق والحياة والصحة كان عمره أكثر بركة كما نصت الروايات بذلك.
فإذا وصل لمستحقيه مثل طلبة العلوم الشرعية فأنه يعطيه فرصة للتفرغ والابداع والإنتاج ، فإذا فرّغ طالب العلم للدرس كان نتاجه أفضل، بخلاف لو اشتغل في طلب الدنيا.
وهذا النوع من الفهم مطروح في العالم اليوم، فطالب العلم في أي حقل من حقوله يُعطى راتب يكفيه عن الطلب كي ينتج النتاج الحسن.
وكذا إذا أخذ الفقير والمسكين وابن السبيل وفي الرقاب والعاملين عليها كما فصلت الآية في قوله تعالى :
{۞ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ….} الأنفال.
على تفصيل في مفهوم الغنيمة عند الفقهاء والمشهور هو أرباح المكاسب.
سُدت حاجات ضرورية لهؤلاء الطبقة، وهذا يسمى بلغة اليوم (الضمان الاجتماعي) فهو منسجم مع القيم والفضائل، ومنسجم مع القوانين الوضعية.
5- الخمس اختبار للولاء والمحبة والطاعة لأهل البيت عليهم السلام.
فأعز شيء على نفس الإنسان ذاته وماله وولده، فإذا أنفق جزءاً من ماله حباً لله ورسوله، كان تزكيه لروحه وقربى لربه كما قال تعالى {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}آل عمران.
فنعمة الإسلام ونبيّه الكريم وأهل بيته الطيبين الطاهرين تختبر مستوى الإيمان والولاء والانتماء، وقد أخذت مسميات مختلفة منها : الخمس والصدقة والزكاة كما قالت الزهراء عليها السلام (والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق) فالفرد الذي دفع الخمس يعلم أن المذهب سيبقى غير محتاج لغيره من الأنظمة، ويستطيع أن يحافظ على استقلاله من كل الجهات دون أن يصطدم بأي من الأنظمة، وكذلك يؤدي شكر النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته بأن يختبروا ولائهم بدفع الخمس لينفق في سبيل الله.
كلامي في العنوان العام وليس المصاديق فالتفت جيداً.
6- الخمس هو خطوات للقرب الإلهي كما أشار إلى ذلك الشهيد الصدر في مبناه العميق وهو (حق الطاعة للمنعم) ومفاده لو زرتك يوما مكتبتك العامرة وأعجبني كتاب، وكنت غير موجود وأردت أخذ أحدها فلو احتملت أو ظننت أو حتى تيقنت أنك لا تقبل فلن أندفع وأمد يدي إليه حتى استأذنك، فكذلك الخمس لو وجد احتمال أو ظن أو يقين أن هذا الحق لازم علي فلن أتردد في دفعه لأنه حتماً فيه رضا لله سبحانه فهو على كل حال حسن.
7- الخمس عملية حسابية ليست معقدة، وكثير يخرج من تأديته، فهناك معسرون لا يستطيعون تأدية الخمس وهم معذورون، وفي العادة يكون مختصا- للأسف الشديد- بالطبقة المتوسطة الحال أما الغنية تجد القليل ما يبذل ذلك.
8- في حالة تغطية كل ما من شأنه رفع الحاجة عن الناس فله طريق إنه يكافح فيه فساد بعض التجار الذين يحتكرون السوق بجشعهم، فتقوم الحوزة ببناء المستشفيات والمنازل والمؤسسات التعلمية والمصانع وغيرها من المشاريع التي تحفظ كرامة الفرد كما هي مؤسسة عين للسيد علي السيستاني حفظه الله، ومايزال كلامي على العنوان وليس المصاديق فركز معي.
هذه بعض فوائد دفع الخمس في أبعاده المختلفة.
السائل:
لكن فيه استغلال ونفوذ وطبقية في واقعنا من المصاديق.
الجواب:
ذهبت للمصاديق وهذا خطأ منهجي، فالمبدأ أولا ثم المصاديق لأن لها شأناً آخر في البحث، فهل تتفق معي أن للخمس فوائد كما بينا.
السائل :
من درس الخمس يستطيع أن يعرف الدلالة والمقصد، ولا يهمني رأي فلان وفلان، لأن العلماء أوضحوا وما يواكب العقل يؤخذ به.
الجواب:
سامحك الله عموما بينت لك وجهة نظري والأمر لك.
والسلام عليكم ورحمة الله .
………………..
(1)كتاب الخمس ، الأول – السيد الخوئي – الصفحة ١٠)