الطريق إلى عنايته
أما العناية في ذاتها فهي موجودة حتما جزماً قال تعالى في شأن نبيه : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم.
وفي الزيارة الجامعة : بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينفس الهم ويكشف الضر، وفي زيارة آل يس: واحفظ فيه رسولك وآل رسولك عليهم الصلاة والسلام.
والنتيجة : أن العناية مجموعة في جامع الكلمة على التقوى عليه السلام، والعناية راسخة في عالم الثبوت والواقع فهي بئر لاينضب معينه وهي سيالة متدفقة في عالم الإثبات والخارج نحونا لولا حصول الموانع من الذنوب وضعف اليقين وسلب الحقوق.
ولاشك أن ليلة القدر الصغرى ليلة النصف من شعبان فيها من تنزل الخيرات مالا يحصر أويحد وما يفرق فيها من كل أمر حكيم، ولم يبق إلا الاقتراب من هذا المعين ومن هذا النور الذي يكاد زيته يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.
وعلى هذا فإن روح ليلة النصف إنما يكمن في تركز قوى الإنسان جوانحاً بالتصديق وجوارحاً بالعبادة والعطاء، فبهذا يكون التوجه نحو مركز الافاضة مع الاجتهاد في ازاحة الموانع بالتوبة والتدارك والعزم المتجدد، وسأعطي بعض الشواهد على عنايته عجل الله له الفرج.
الأول : في صفحة 545 بأن الإمام عليه السلام انفسحت له فرصة ليدخل بغداد بزي التجار، ثم كان يحضر الموسم ماشيا ويخالط بعض الخواص من الحجاج ويعلمهم الادعية والتعليمات
بل وكان يكشف حقيقته اذا اقتضت المصلحة ذلك، ولذا فإن قسما من مقابلاته كانت في الديار المقدسة، بل إنه يصل الاسكندرية بمصر في خان الغرباء، ويصلى في مسجدها ثم يأخذ طريق البحر
الثاني : وهو في العناية الخاصة كما في صفحة 506 أن وفر السفير الثاني ابو جعفر العمري طريق المقابلة في داره لمحمد بن بلال ليأمره الإمام بالإذعان لأبي جعفر إلا أن ابن بلال بقي على ادعاء البابية وضيع تلك العناية.
أقول : وانما عرضت مثل هذا الشاهد الغايتين : فالأول بما يقتضيه قياس الأولوية
فإذا كان محمد بن بلال الذي حاد عن الإمام قد وفرت له فرصة العناية المباشرة،
فمن باب أولى أن نؤمن بأنها حاصلة أو قريبة ممن يؤمن ويقبل بها،
اما الطالبون المضطرون والمشتاقون فهم أقرب وأقرب على أن سبل العناية لها أشكال وطرق يعرفها من يعرفها رزقنا الله وإياكم.
واما الغاية الثانية : فإن ماذكر من شواهد انما كان في غيبته عليه السلام فهي موصولة ممتدة في غيبته الكبرى كذلك،
وهذا ما علمنا كذلك من خلال دعاء الندبة : بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا بنفسي أنت من نازح مانزح عنا بنفسي أنت من امنية شائق يتمنى من مؤمن ومؤمنة
إذاً أيها الكرام ومن تصله كلمتي ليس لنا إلا التطلع الجاد لهذه العناية وطلبها في ليلة النصف من شعبان، وأن لانتوانى عن ذلك أبداً فلا وقت لتضييع الوقت.