سلسلة أبدله من بعد خوفه أمنا (2) الشيخ عبدالمحسن النمر
تقرير محاضرة: علي عبدالله
قال الله تعالى: (وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا).
حينما نتحدث عن علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام فنحن نتحدث عن واقع نحن نعيشه ونتحرك فيه فنحن ننطلق منه، ولهذا فإننا لا بد ان نتوقف عند منهجين من مناهج البحث في علامات الظهور :
المنهج الاول: هو ما اشتغل به جملة من العلماء والباحثين _ولهم الفضل والتقدير والثناء على مابذلوه _ هو البحث التفصيلي الأحداثي لظهور الامام عليه السلام من الشخصيات, والبلاد, والوقائع, والاحداث وتسلسل ظهورها, وترقب هذه الأحداث بما هي تحرك تفصيلي تاريخي، وهذا النهج له محاسنه ولكن هناك جوانب يحسن أن نلتفت لها في هذا البحث وهو ما دعانا أن نطرح الاسلوب الثاني في البحث عن علامات الظهور .
فالمنهج الاول تقع فيه مشكلتين :
1. التوقيت : التوقيت بمعنى اسقاط الأحداث والشخصيات الواردة في الروايات والتسلسل الحدثي فيها ومشخصا بسبب ظروف معينة تعيشها الأمة، فهم يطبقونها على الواقع الخارجي، فهذا يسبب الوقوع في مسألة التوقيت وقد ورد النهي عن الدخول في التوقيت فقد ورد اللعن (لعن الوقاتون).
2. الإحباط : حينما يقال للناس بأن فلان أو الحدث الفلاني هو الذي ورد كعلامة من علامات الظهور حينها تصبح المقاييس مقاييس وقتية لحظية, فإذا لم تتحقق ينعكس ذلك بعامل سلبي .
المنهج الثاني: وهو الذي نطرحه ونؤيده وهو المنهج الذي يتحدث عن الظرف وطبيعة الأوضاع الثقافية والاجتماعية والفكرية التي بها يتحقق خروج الامام عليه السلام، وهنا تختلف المسألة فلم نعد نبحث عن حادثة وعن شخصية تنطبق عليها، أصبحنا نبحث عن الظروف التي سوف يكون فيها خروج للإمام عليه السلام، ولهذا سوف نتوقف عند مجموعة من العلامات التي بحسب نظرة الكثير من أهل العلم والمعرفة أصبح ظهور الإمام عليه السلام وزمان خروجه بهذا الشرائط وبهذا النحو من البحث قاب قوسين أو أدنى, فهذه الظروف التي وردت في الروايات ها نحن نرى يوما بعد يوم تتجه نحو ظرف يوم ظهوره عليه السلام.
هنا لا نقع في الإشكالين الذين أشرنا إليهما لا من حيث جعل وقت محدد لخروج الامام عليه السلام و لا من حيث انتظار ظرفية زمانية نشعر بعد ذلك بالإحباط عند عدم تحقق ذلك .
العلامة الاولى: وأشد وأقوى هذه العلامات ومن أهمها هي ما ورد في الروايات المؤكدة أنه يخرج رجل من أهل بيتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد ما ملئت او كما ملئت ظلما وجورا .
هذه الروايات وهذا المعنى مكرر في روايات عديدة رواها عامة المسلمين والخاصة من مدرسة أهل البيت عليهم السلام ونحن اليوم نرى هذه الآثار، لقد امتلئت هذه الأرض ظلما وجورا ولعل البعض يعتقد بأنه بعد لم نرى هذا الظلم قد عم البلاد فهناك أماكن ودول وهناك كتل انسانية لم يعمها الظلم والجور، إلا أن هذه نظرة غير سليمة وغير صحيحة, فالظلم والجور الذي تعيشه البشرية اليوم ليس لمثله سابقة، فالظلم اصبح يمارس على الانسان وعلى بني البشر ما لم يسبق في التاريخ الذي تحدث عن درجات هذا الظلم. قد لا يكون على نحو مباشر وشكلي ولكن على نحو حقيقي أصبحت ثروات الأمم و قدراتها وأفكارها, وثقافاتها مهيمنة عليها من قبل جهات متسلطة ولعل حادثة ما أو قضية ما تؤشر لنا هذا المعنى .
في الفترة الاخيرة بعد ظهور هذه الأمراض والأوبئة وانتشارها نقلت وسائل الاعلام أن أثرياء اوربا وأمريكا اصبحوا يشترون لهم ملاجئ وقصور في مناطق بعيدة يريدون أن يأووا إليها خوفا من ماذا؟ سأل بعضهم ونقل عن بعضهم : وهم يتحركون من هذا المنطلق وليس خوفا من المرض وإنما خوفا من الإنهيار الأمني الذي يعم الأرض فهم يعلمون أنهم ينهبون حقوق الناس والبشر حتى حقوق أهل بلدهم، لا نعتقد بأن هذا الظلم وهذا الجور يقتصر على أبناء البلاد الأخرى بل في كل بلاد العالم أصبح جور هؤلاء الظلمة مهيمنا غالبا يملأ كل زاوية من زوايا هذه الأرض فهذه العلامة واضحة التحقق .
العلامة الثانية: الروايات التي تحدثت عن إنتشار الفكر الإلحادي الكافر بالله عز وجل، والروايات تتحدث عن أعور دجال مكتوب بين عينيه يقرأها المؤمن الكاتب وغير الكاتب _هكذا وردت الروايات _ وربما الروايات التي نقلها أبناء العامة في هذا المجال أكثر من الروايات التي نقلها أحاديث مدرسة أهل البيت عليهم السلام لكن هناك إجماع على أن هناك دجل سوف يملأ الارض _وهذا غير الظلم دجل _ بمعنى تزييف الحقائق. دجل بمعنى إخراج صورة مزيفة عن واقع الانسانية يدعوها إلى الكفر والالحاد العلني الظاهري مكتوب بين عينيه يعني هي ليست مخفية ولا يحتاج إلى متخصص في القراءة حتى يعرفونه بل هو جهرا معلنا عنه، بل هو ظاهر جاهر متجاهر به، هذا الإلحاد والدعوة إلى الإلحاد تأخذ أشكال متعددة في زماننا الحاضر، تأخذ أشكال تهيمن على الثقافية الانسانية تارة وعلى شكل بحوث علمية أدت إلى اعتقاد كذا بالأفلاك, وإلى النظريات الحديثة الفلكية، وتارة أخرى ببحث تطور الانسان ونشوءه من مخلوقات سابقة إلى آخر هذه الأشكال التي هي مسائل علمية يفترض أن يدرك الانسان ببصيرته ويتعلم منها مقدار العظمة الالهية بدل من ذلك هي تحتسب وتجير إلى الدعوة إلى الإلحاد بالله عز وجل.
العلامة الثالثة: هو هذا الدمار والخراب والابتلاءات والأوبئة التي انتشرت بين حين وآخر وآخرها هذا البلاء وهو فيروس كرونا، هذا البلاء الذي أصبح اليوم فضيحة من فضائح الإدعاءات, وأصبح الانسان الذي ادعى كذبا وزورا انه قادر على هذه الارض، وأنه مالك للسلطة, وبأنه يستطيع أن يعمل عجائب التصرفات والكشوفات, وإحاطة بما يجري في الكون, وحساب كل صغيرة وكبيرة، ويستثمر طاقات هذا العالم لتثبيت تطوره وحاجاته، هذا الغرور أفسده هذا الفيروس وفضحه.
تجتمع مؤسسات هذه الدول وإمكانياتها وقدراتها لتواجه هذا الفيروس فتقف عاجزة أمامه، وياله من ضعف يكتشفه الإنسان بنفسه وامكانياته، وانكشاف لما يدعيه من عظمة وقدرة ومكنة وسيطرة وأخذ بزمام الأمور في هذا الكون.
اريد ان نتوقف عند خلل وقع عند بعض السذج من المؤمنين، فالبعض يريد أن يبين أو هو ببساطته الذهنية يتسائل ويثير شكوكا حول الكرامات التي أعطاها الله إلى أولياءه عليهم السلام لماذا لا يقف علي ؟ لماذا لا يقف الحسن ؟ لماذا لا يقف رسول الله بمقامه عند الله عز وجل في حضراتهم عليهم السلام فنتوسل بهم ولكنهم لا يرفعون هذا البلاء! نذهب إلى قبورهم ولا تظهر لنا كرامة! ألم نكن نعتقد أن من كرامات أهل البيت عليهم السلام أنهم يدفعون عن المضطر وعن المحتاج لهم لماذا لا نرى هذا الامر؟
لعل هذه المسألة ولعل هؤلاء قد أغفلوا جانبا مهما جدا للكرامات الالهية فهي ليست أمورا عشوائية بلا قوانين ولا ضابطة لها. لا كرامة إلا بتقوى الله عز وجل, ومن تقوى الله عز وجل الأخذ بالأسباب والإلتزام بما أمر الله به, ألم يفتي الفقهاء بعدم جواز التجمع والابتعاد عن الأماكن التي بها تنتشر الأمراض، فحينما نذهب إلى قبر الإمام سلام الله عليه ونحن نخالف شرع الله عز وجل ونريد أن تظهر لنا كرامة (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) فالذي يبحث عن الكرامة يعلم بأنه لا كرامة إلا بالتقوى, فإذا نحن اتقينا الله عز وجل وأخذنا بالأسباب التي أمرنا الله بها، فإن الكرامات عطايا إلهية ربانية يمن بها على عباده المؤمنين, إن مقام رسول الله والأئمة صلوات الله وسلام الله عليهم أجمعين طالما حفظت المؤمنين والمتوسلين والمتقربين لله، فنحن على ثقة بأن من صدق في تقواه وفي تمسكه بشرع الله فإن الله لا يخليه من رعايته ويجعل له من أمره فرجا ومخرجا.
العلامة الرابعة: هو ما ظهر من إدعاء المهدوية كما دلت الروايات على أنه قبل خروج الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف يخرج مدعون للمهدوية، وقد شاهدنا في هذه الأزمنة المتأخرة الكثرة الكاثرة من الإدعاءات المهدوية، فلا تمر سنة ولا فترة من الزمان إلا ويخرج لنا مدعن كما في بيت الله الحرام, لقد حدثت ادعاءات جلية وواضحة شغلت العالم و سار بها الركبان فالسودان مثلا قبل سنوات خرجت فئة تسير خلف المهدي ولا زال بقاياها موجودة، وفي الجزيرة العربية في بيت الله الحرام بمكة المكرمة خرج رجل سفك الدم وقتل الناس تحت عنوان أنه المهدي المنتظر، ونرى الأن في العراق في البصرة هناك اشخاص يدعون مثل هذه الادعاءات فهذه العلامات قد تحققت .
العلامة الخامسة: وهي اهم علامة من العلامات، وهي بيضة القبان في الظروف المحطية بخروج الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف هي توفر الفكر الشيعي في ترسخه وانتشاره وظهوره في عالم البشرية.
لقد عاش التشيع لسنوات طويلة بعيدا عن مجرى الحياة والأحداث، وعن مجرى التأثير في الوجود، فكان علماء الشيعة ومراجعها يحافظون على المقدار الأقل من الحفاظ على عقائد الدين وأصوله ومسائل العقيدة، أما اليوم ولله الحمد نرى أن الفكر الشيعي أخذ بترسيخ جذوره في العالم فكريا وواقعيا وقدرات عملية، فمنذ فترة ونحن نشاهد الفكر الشيعي وأنصار الامام عليه السلام يتزايدون يوما بعد يوم إخلاصا وحبا ودعاء في الليل والنهار للإمام الحجة، هذه المسألة مهمة, إن الاتجاه إلى الله عز وجل والدعاء لخروج الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف هو أهم علامة لظهوره عليه السلام بل لو توفرت هذه العلامة، ولو صدقنا الله عز وجل في رفع أيادينا وقلوبنا وأنظارنا ودعائنا وألستنا إلى الله عز وجل بخروج الامام عليه السلام لكنا حققنا أهم شرط من شروط ظهور الامام عليه السلام وأهم عنصر من عناصر ظهور الامام عليه السلام.
إن الأنصار الصالحين الواعين أصحاب البصائر هم الأساس في ظهور الامام عليه السلام وهم الشرط الناقص إلى اليوم ولو أخذنا بالجد في توفير هذا العنصر وفي بناء هذا المجتمع الذي يتحمل رسالة الامام ويتحمل مسؤولية الاصطفاف مع الامام عليه السلام لكان خروجه عليه السلام أقرب من قاب قوسين اوادني