حوارية (53)
أين يكون أشد مواطن الشك في أمر الله عز وجل ورسوله وأهل بيته الطاهرين؟
وكيف لي أن أحوّل شكي المرضي إلى نقطة قوة في العقيدة ورسوخ في الدين؟؟
السائل:
ورد في الزيارة الجامعة:
وَبَرِئتُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِن أعدائِكُم، وَمِنَ الجِبتِ وَالطَّاغُوتِ وَالشياطِين وَحِزبِهِمُ الظَّالِمِينَ لَكُم، الجاحِدِينَ لِحَقِّكُم وَالمارِقِينَ مِن وِلايَتِكُم وَالغاصِبِينَ لإرثِكُم ،الشَّاكِّينَ فِيكُم المُنحَرِفِينَ عَنكُم ،وَمِن كُلِّ وَلِيجَةٍ دُونَكُم وَكُلِّ مُطاعٍ سِواكُم..))
لا شك بأن أهل البيت حذروا من الشك في أمر الله تعالى وأمر دينه ورسوله، وذلك لعظم خطر الشك وشدة تأثيره.
السؤال:
س: فأين يكون أشد مواطن الشك في أمر الله عز وجل ورسوله وأهل بيته الطاهرين؟
وكيف لي أن أحوّل شكي المرضي إلى نقطة قوة في العقيدة ورسوخ في الدين؟
الجواب:
# مقدمة مهمة
بالرغم أني قليل البضاعة والعلم لكن سأجيب بما يتفضل الله به عليّ،
وقد يكون أقرب جواب لهذا السؤال هو فعل إبليس حينما اعتد بعبادته طوال السنين؛ حيث قد وصل إلى حدٍ أنه يمنّ على الله بعبادته، وأن حقه على الله سبحانه تقديمه وتفضيله على خلقه، وحينما اختبره الله سبحانه في السجود لآدم؛ انكشف غرورة وكبرياؤه، وتجرأ على الله بقوله:
{أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76)} الشورى.
فحينما يصل الإنسان في أن ذاته وعقله ووجوده أهم من أمر الله ونهيه، فهنا يُفتح باب الشك في قلبه وعقله الذي لا ينتهي إلا بهلاك صاحبه وخسرانه في الدنيا والآخرة، ولذا وضع الله سبحانه ركيزتين في إخلاص العبودية له، هي التسليم المطلق لما أمر ونهى والرضا المطلق بما قسم له.
ونجد هذا مؤيداً في قوله تعالى:
﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا﴾[النساء: ٦٥].
فمفاد الآية هنا أن من يؤمن بالله حق الإيمان، لا يشك أن ما يقوم به هو الصلاح المحض، و قد أختار الله لخلافة هذه الأرض أنبياء ورسلاً وأولياء، وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين، ليكونوا مظهراً لتجلي أسماء الله وصفاته ومحط أمره ونهيه، فمن أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله، ومن أحبهم فقد أحب الله ومن أبغضهم فقد أبغض الله.
ولذا تجد المؤمنين حينما يتحاكمون فيما شجر بينهم يذهبون لمن خصهم الله بعنايته وفضّلهم على خلقه، فيأخذون حكمهم راضين ومسلّمين تسليما، لا يجدوا أي حرج في أنفسهم أبدا بما قضوا لسابق علمهم بفضلهم ومكانتهم عند الله سبحانه وتعالى وعظم خطرهم عليه.
#الخلاصة
إن اتباع الهوى وتعظيم الأنا وتقديمها على أوامر الله سبحانه، بحيث يتجه العبد إلى الله من حيث يريد هو لا من حيث ما يريد الله منه.
وهذا هو عين العناد والجحود لأمر الله، كما قال تعالى:
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)} الجاثية.
س : كيف لي أن أحوّل شكي المرضي الى نقطة قوة في العقيدة ورسوخ في الدين؟
إذا حاسبت نفسك وعرفتها حق معرفتها وعلمت بعجزها وقلة حيلتها وضعفها أمام خالقها، حينها يتحول الشك إلى نقطة قوة تُرسخ روح العقيدة في قلبك، فإذا ألبست هذا الشك جلباب السؤال، ليكون غرضك منه البحث عما يقربك من مراد الله سبحانه مستعيناً به بجواب شافٍ ووافٍ وكافٍ؛ فإن الله سبحانه وتعالى لا يخذلك كما قال تعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} العنكبوت.
ومثل هذا الجواب تجده عند الثقلين كتاب الله وعترة أهل البيت عليهم السلام، ومن فهم كلامهم من العلماء المؤتمنين على دينه، كما قال تعالى:
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)} الإنبياء.
وأجلى مصاديق أهل الذكر هم محمد وآل محمد، وممن خصهم الله بحمله وفهم أوامره ونواهيه، ثم العلماء المؤتمنين على حلال الله وحرامه.
وهناك ترغيب في السؤال لطلب العلم إذا داخل النفس الشك، ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من عرف نفسه فقد عرف ربه)(١)
وكما أشار أمير المؤمنين حينما قال: (يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم ..)
وقد تجد الجواب بعمق في صفات المتقين لأمير المؤمنين عليه السلام نأخذ منها بعض مواطن الشاهد حينما قال : (عظم الخالق في قلوبهم فصغر ما دونه في أعينهم… أذل شيء نفسا… يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل. يمسي وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر. يبيت حذرا، ويصبح فرحا؛ حذرا لما حذر من الغفلة، وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة. إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب) (٢).
فالعبودية المحضة لله أن تسلم تسليماً تاما بما أراده الله، وأن ترضى رضا تاما لما قضى الله سبحانه، ومقتضى هذا التسليم هو هلاك الأنا بكل أبعادها التي هي مفتاح الشك.
س: أين يكون اشد مواطن الشك في أمر الله تعالى؟
أشدها هو ما يتعلق بسلب ما يعتقد الإنسان أنها حق له على الله وليس تفضلا منه سبحانه، مثل الصحة فإذا مرض وطالت مدة المرض فوق ما يحتمل، اعترض على الله لماذا يمرضه؟ فيشك في قدرة الله على الشفاء، ولا يعلم أنه يُحي العظام وهي رميم.
وفي المال إذا فقده وطال به الأمر في الفقر والحاجة، فيشك بأن الله قادر على غناه.
وفي الجاه إذا فُقد وأصبح لا حول له ولا قوة وطال به المقام يشك أن الله سيعيده عما كان فيه.
وإذا رأى أهل الظلم والجور هم من يملكون مصالح البلاد والعباد ولا يعاقبهم الله مهما بلغوا من طغيان ؛ في حال أن أولياءه مستضعفون مطاردون مظلومون مشردون فقراء لا يملكون من حطام الدنيا ما يقوي بدنهم فضلاً عن غيره، عندها يشك في عدل الله سبحانه.
وأخيراً الإيمان بالغيب الذي لا تلمسه حواسه الخمس ، فيعتقد أن لا وجود لشيء ما لم يخضع للحواس الخمس التي من أبوابها من الملاحظة والتجربة والحساب وغيرها من العلوم التجربية، فينكر المعاد والجزاء والحساب لأنها لا تخضع لذلك كله.
هذه أبرز مواطن الشك، فكل ما يتعلق بالدنيا يكون باب من أبواب الشك.
والحمد الله رب العالمين، وأسأل الله أن وُفقت للجواب على سؤالكم .
…………………
(١) موسوعة العقائد الإسلامية – محمد الريشهري – ج٣ – ص ٩٠ .
(٢) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٦٤ – الصفحة ٣٦٧.