هل يحكم الإمام المهدي (ع) بالرحمة أم بالسيف؟ {ج١}
في هذا الموجز أريد أن أوضح موضوعا كان مثار جدل منذ القدم حيث أن هناك أحاديث توحي بأن الإمام المهدي سلام الله عليه يقوم بالعنف،وينتقم من أعدائه،ويسير على البطش والعدوان حتى يخيل إلى السامع أن مثل هذا الإنسان بعيد كل البعد عن تعاليم الإسلام السمحة،
وأنه لا يسير بسيرة جده سيد المرسلين صلى الله عليه و آله، مع أن المسموع أنه يحذو حذو جده رسول الله طابق النعل بالنعل، ولنعرض بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر:
الحديث الأول: حديث يُروى عن زرارة وهو من الثقات المعتمدين ولكن الحديث يستند في سنده إلى آخرين فلنستمع إليه:
عن محمد بن حسان الرازي عن محمد بن علي الكوفي عن أحمد بن محمد بن أبي بصير، عن عبدالله بن بكير، عن أبيه، عن زراره، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قلت له صالح من الصالحين سمّه لي (أريد القائم عليه السلام) فقال: اسمه إسمي.
قلت: أ يسير بسيرة محمد صلى الله عليه و آله؟
قال: هيهات هيهات يا زراره، ما يسير بسيرته !
قلت : جعلت فداك، لم ؟
قال: “إن رسول الله صلى الله عليه وآله سار في أمته باللين، كان يتآلف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذلك أُمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستنيب أحدا! ويلٌ لمن ناواه “
والحديث مذكور في كتاب الغيبة للنعماني ص ٢٣٦ حديث ١٤.
توضيح: من وحي السؤال يتبين لنا أن الراوي يريد أن يغير وجهة القارئ حيث يعتبر الإمام ممن يسير بسيرة جده كما هو مشهور، فيسأل: أ يسير بسيرة جده؟
ثم الجواب ينفي أنه يسير بسيرة رسول الله (ص) وأنه يؤالف الناس
ويلين معهم (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ثم يلقي إلى السامع كلمة غريبة: نعم ، إنه يسير بالقتل !!!
ولو لم نبحث عن السند فيكفينا الاستفسار عن الراوي أنه كيف يمكن للإمام أن يسير بالقتل
ولا يسير بسيرة جده؟!
وما وجه الاختلاف بينه وبين جده؟
وأ لم يبعث الله الرسل
والأنبياء ليعلموا الناس الكتاب والحكمة ويزكوهم ويحسنوا أخلاقهم ويهدوهم إلى صراط الله؟ فلماذا يستثنى الإمام المهدي (عج) وهو خاتم الأوصياء وولي الله الأعظم بعد أمير المؤمنين عليهما السلام، أن يكون مختلفا مع من سبقه من أهل البيت في الغلظة
والخشونة والعياذ بالله؟!!
أ ليس في الحديث ما يفضي عليه علامات إستفهام كثيرة؟
و الآن لننظر إلى السند فلا يكفي ذكر زرارة ليكون الحديث صحيحا موثوقا به. ففي الرواة محمد بن علي الكوفي والمعروف بأبي سمينة، والرجل مشهور بالكذب والدجل حتى قال في حقه الشيخ النجاشي قدس سره:
“ فاسد الاعتقاد، لا يُعتمد في شيء! و كان ورد قم، وقد اشتهر بالكذب في الكوفة، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة، ثم اشتهر بالغلوّ، فجُفي، و أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم “!!
و جاء في الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم عن ابن داود عن الفضل أنه قال :
“ إن الكذابين المشهورين أربعة :أبو الخطاب،
ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ،وأبو سمينة، وهو أشهرهم “ وأبو سمينة هو محمد بن علي الكوفي، الذي يعتبره الفضل أشهر الكذابين!! والسيد الخوئي رحمه الله يقول :” لا ينبغي الشك في ضعفه “.
رجل يصنف في خانة الكذابين المشهورين،
والغلاة ولا يتحمله الصحابة فيطردونه من بلدهم !! هذا شأنه فماذا يكون شأن حديثه!؟
المشكلة إن كثيرا من المؤمنين ينظرون إلى الحديث دون تحقيق
وفحص لأنهم يرون اسم الصحابي المعتمد زرارة، فيتخذونه صحيحا معتبرا، ثم يأتي الآخرون و ينشرونه على نطاق واسع ليغيروا اعتقاد الناس في إمامهم الذي هو نسخة ثانية من رسول الله صلى الله عليه و آله، وإن كان جده رحمة للعالمين فهو أيضا رحمة للعالمين جميعا بمن فيهم أهل الكتاب، حتى الملحدين !!
الحديث الثاني: في كتاب عقد الدرر وإثبات الهداة وحلية الأبرار والغيبة للنعماني، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، عن أحمد بن محمد بن أبي بصير، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : “ لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لا يروه، مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم !!!” .
لا أدري لماذا الإصرار على اعتبار الإمام إنسانا فظا غليظ القلب قاسيا خشنا لدرجة أن من يراه أو يسمع به، لا يتقبله ولا يرضى بأنه من آل محمد ؟!! نعم، صحيح إن كان هذا هو حال الإمام فلهم الحق أن يبتعدوا عنه و لا يعيرونه إهتماما لأن آل محمد معروفون بالرحمة والعطف واللين
والمحبة والتآلف
والتوادد بين عباد الله. فلم هذا الإستثناء؟!
لا يبعد أن أشخاصا من قبيل أبي سمينة كانوا يريدون أن يبعدوا الناس عن هذا الإمام الحق الرحيم فيأتوا بمثل هذه الأحاديث التي تدل على الغلظة والخشونة
والقسوة، وتارة ينسبون الحديث إلى زرارة، وتارة أخرى الى محمد بن مسلم حتى لا يعتري القارئ والسامع شك في صحة الحديث!! ولكنه قطعا كذب ومحرف لأن من نقله كذاب أشر لا بارك الله فيه وفي رواياته.
و لا يخفى أن في الحديث أيضا محمد بن حسان الرازي الذي يروي عن الضعفاء كثيرا، وقال عنه ابن داود: “ ضعيف جدا”
الحديث الثالث: حديث آخر ينقله النعماني في الغيبة و ينقل عنه صاحب المستدرك عن محمد بن علي الكوفي عن عبدالرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال:
“ إن عليا عليه السلام قال: كان لي أن أقتل المولى وأجهز على الجريح، ولكني تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يُقتلوا، والقائم له أن يقتل المولّي ويجهز على الجريح “ !!
عجيب أمر هؤلاء فبالرغم من وصية الإمام أمير المؤمنين عله السلام لوكلائه وأمراء عسكره
وقواد جيشه وولاته في الأمصار، أن لا يجهزوا على جريح ولا يقتلوا موليا أو هاربا أو أسيرا، يعتبر من صلاحياته أن يقتل الهارب ويجهز على الجريح! ثم يتركه سياسة وليس لأنه جزء من العقيدة ! ويعتبر الإمام الحجة مصرحا له بكل ما كان خلافا لمن قبله! يا
للعجب، لا أدري كيف يمكن نقل مثل هذه الأحاديث في كتبنا الروائية دون أن ينقدوها و يفندوها!
و الأعجب أن في كل هذه الأحاديث والمشابهة لها نرى أبي سمينة موجودا و هناك أيضا أحاديث أخرى من هذا القبيل ينقلها محمد بن علي الهمداني، وهو ضعيف أيضا، بل ويعده ابن الغضائري ضعيفا جدا فاسد الاعتقاد، وهناك من الأحاديث المرسلة أو التي يرويها مجهولون في الباب نفسه.
والنتيجة أن هذه الأحاديث ساقطة من الاعتبار من حيث السند
ومن حيث المحتوى.
وصرفت النظر عن نقلها فإن كتبنا تعج بها مع الأسف حتى بات أمرا مسلّما للجميع.