أقلام

ولو رُدوا لعادوا

آيات الكتاب المبين تورد جملة أحداث زمنية ماضية وتسجل أفعال
وسير وردود أفعال أقوام سابقين لمجريات الحياة، وتعرض كل ذلك على المؤمنين بكتاب الله لأهداف متعددة. على رأس تلك الأهداف ترسيخ روح العظة وإبقاء الضمير في الأنفس متيقظا لدى الإنسان المعاصر، والتنبيه للمؤمنين من الغفلة أو الوقوع في تلك الأخطاء المميتة. قطف ثمار الدروس المستفادة أو العبرة lesson learned و الوقوف على نتائج التجارب هي نماذج عمل تطبق في علوم الإدارة الحديثة لإحراز أكبر معدل للنمو والسمو
والأرباح وتجنب الخسائر وإهدار الموارد والوقت؛
وهذا وربك لطريق الصالحين.
إلا أنه هناك بعض الآيات القرآنية تورد مشاهد مستقبلية عن يوم القيامة وبعضها تصويري بكل التفاصيل، والناقل للأحداث المستقبلية هو مالك يوم القيامة الله جل جلاله.
صور القرآن لبعض أحداث مستقبلية تهتز لها القلوب الحية والعقول المؤمنة بالآخرة، وتجعل القلب وجلا ومترقبا
وموقنا بأحداث لم يرها لصدق ناقلها وقائلها؛
ومنها ماورد في سورة الانعام آية ٢٨ عن حال بعض الجاحدين للحق،
ونمطية سلوكهم
وردودهم عند مواجهتهم بالحقيقة الدامغة والأدلة القاطعة في ساحة العدل الإلهي أيام المحاكمة الإلهية.
فلك أن تتخيل إنكار أدلة اليقين من قبل الجاحدين للآخرة، وهم في وضع المتلمس الواقعي المحسوس للعذاب
والحساب ونعيم يوم الآخرة ونارها؛ والشاخص له ذلك أمام عينيه بعد حصد نتائج أفعالهم في الحياة الدنيا (…بل بدا لهم ما كانوا يُخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه وإنهم لكاذبون ).
هذه الآيه الكريمة ، يُستنطق منها عدة حكم
وعبر وأنماط تعامل يقينية مع بعض البشر.
ومنها حقيقة أن بعض الأنفس الجاحدة والناكرة والمتمردة على الحق والمتنكرة للحقيقة حتى لو أضحت الحقيقة شاخصة أمام أبصارهم وضوح الشمس فإنهم منكرون لها. في حالة إقامة الحجة الدامغة عليهم و ذشهادة جلودهم وأسماعهم عليهم، يبادرون بالقسم
والتعهد بالالتزام بالحق إن أعطوا فرصا أخرى.
ولكنهم متى تعود إليهم الكرة فإنهم يقينا يثبون على النواميس الألهية
ويعثون في الأرض فسادا من جديد كما كانوا.
ديدن الكذب والمراوغة جزء لا يتجزأ من سلوك أولئك الجاحدين
والمرواغين، حتى لو ذُهب بهم إلى يوم الحساب،ورأوا رأي العين أهوال يوم القيامة. ولك أن تتخيل حجم مراوغتهم في الحياة الدنيا حيث يتعاملون مع أناس وبشر وليس مع رب البشر !!!

أتساءل عن السبب لهكذا تنكر مع قوة أصداء الفضيحة ومعرفة مكنون النفوس؟! هل الأسباب هي الانغماس التام بالغواية temptations أو عدم الاكتراث للنتائج؟ أو كتم أي محاسبة للنفس على نمط ما يُسمى white collar crimes !

في حياتنا العامة العملية نحتك ، أنت وأنا وهم وهن ، بأنماط بشرية مؤدلجة عديدة ومتعددة، وغير مؤدلجة وضحلة و .. و ..؛ يحدو الكثير من العقلاء الأمل في كثير من الأحيان والمناسبات على خلق نطاقات مشتركة للعمل والتعاون وإفراز لغة تفاهم مشتركة، ننطلق معها لآفاق أرحب في الإنجاز والاحترام المتبادل، وتدعيم العيش السلمي الكريم والأمان النفسي، وتفويت الفرص على الشيطان في إحداث الشقاق والعراك، إلا أن بعض من الناس يصل بهم حد المشاكسات والعناد
والاحتراب وإثارة المشاكل إلى حد القطيعة، والدفع الى إسقاط كل جسور التفاهم، وتأجيج المشاكل بالتحريض تارة وبتشويه السمعة وتلفيق التهم تارة أخرى.
وبعض من أولئك الموغلين في المشاكل ينكرون الحق ويتنكرون لأهله، حتى بعد إقامة الأدلة الدامغة عليهم،
وبلوغ الكلم الصالح مسامعهم، فيصاب الإنسان السوي النفس
والتربية والأهداف بالذهول، لما يستكشفه مع تقادم خبرته العملية
والعلمية والإنسانية
والاجتماعية بحقائق سلوكيات بعض الأنفس البشرية الجافة والجلفة
والمشاكسة والنرجسية
والمبتذلة.

ولعل الآية القرانية الآنفة الذكر تؤكد حقيقة أن البعض انغمس في عالم السوء إلى درجة إنكار كل الحقائق، والاستئناس بالنكران، والإصرار على العودة إلى الفسق والرذيلة و إيذاء الصالحين والصالحات كما كانوا يصنعون أثناء حياتهم الدنيوية،حتى لو ارتحلوا إلى عالم الآخرة. و هنا أستشهد بسورة مريم آية ٤٥، يورد الذكر الحكيم في قوله: (إني أخاف أن يمسسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا).
صريح الآية الكريمة توثق بأن هناك بعض أناس يوالون الشيطان،
وعلى الإنسان الفطين
والباحث عن النجاة استقراء سلوكيات
ومفردات وأدبيات
وأساليب مقاربة أولياء الشيطان لكي يتفادى السقوط في حبالهم
والنجاة من كيدهم. أعتقد أن وباء كورونا أعطى فرصة ذهبية للكثير من النمامين
والأنانيين والمتسلقين
والمحبين للبروز
والباحثين عن الشهرة
والمثيرين للتفرقة الاجتماعية، والمشاكسين والساعين لنشر الرذيلة الأخلاقية والعقائديات الفاسدة أن يراجعوا أنفسهم.
السبل مقطعة، والناس محجورة منزليًا في بيوتها، وقد يكون من الجميل أن يراجع كل شخص ذاته ويتساءل عن مستقبله وكيف يود أن يصيغ أو يعيد صياغة أنماط سلوك حياته ليكون لبنة بناء لا معول هدم للبلاد والعباد.
الأعزاء القراء طاب يومكم، وحسنت وإيانا سرائركم ونسأل الله أن نسمع الكلم الحق فنتبعه، وأن يعيد أبناء المجتمع ولادتهم أثناء وبعد الأزمة بشكل أفضل وأصفى وأنقى. فالكل محتاج الكل، والكل يجب أن يبحث عما يعزز علاقته بالكل، والابتعاد عما ينغص علينا الحياة كما نغصها علينا الوباء.
وأرجو أن يسعى الجميع أن لا يصدق في أي منهم وصف الجحود الذي ورد في الآية الكريمة (ولو رُدوا لعادوا لما نهوا عنه).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى