خلل الخلايا المناعية في الدماغ قد يساعد على تفسير العجز في السلوكيات الاجتماعية لدى الذكور الذين لديهم توحد
ترجمة: عدنان أحمد الحاجي
تشير دراسة جديدة بقيادة علماء في سكريبس ريسيرش Scripps Research إلى أن العديد من حالات اضطرابات طيف التوحد( ASDs) قد تنجم عن مشاكل في الخلايا المناعية، التي تعمل عادة على تشذيب وصلات الدماغ غير الضرورية في حياة الشخص المبكرة.
الدراسة التي نشرت في 14 أبريل في مجلة نتشر كوميونوكيشن Nature Communications، بحثت في آثار مجموعة من الطفرات الجينية، التي تمثل نسبة صغيرة من اضطرابات التوحد.
من المعروف أن هذه الطفرات تسبب افراطا في إنتاج عام للعديد من البروتينات في خلايا الدماغ، ولكن مسألة كيف أدى هذا الإفراط في الإنتاج إلى سلوكيات توحد كانت شيئا غامضا، وجد الباحثون دليلا على أن التأثير الأكثر صلة بهذا الإفراط في إنتاج البروتين يحدث في خلايا مناعية مرتبطة بالدماغ تسمى الخلايا الدبقية الدقيقة microglial cells.
تعمل هذه الخلايا عادة على تشذيب وصلات الدماغ، أو المشابك، غير الضرورية أثناء تطور الدماغ في مرحلة الطفولة.
بالعمل على الفئران، حدد الباحثون أن الإفراط في إنتاج البروتين يضعف الخلايا الدبقية الدقيقة، بطريقة تعوق وظيفتها لتشذيب المشابك، ولكن فقط عند الذكور، مما يؤدي إلى العجز السلوكي الاجتماعي الشبيه بالتوحد، تتوافق النتائج مع ما لوحظ قديما بأن اضطرابات التوحد منتشرة بين الذكور بمعدل أربع إلى خمس مرات أكثر منه في الإناث.
كما انها تتفق أيضا مع الأدلة الحديثة التي تفيد بأن عدد المشابك أعلى من المعتاد، في أدمغة الأشخاص الذين لديهم اضطراب طيف التوحد.
يقول المؤلف البارز في الدراسة الدكتور باوجي شو Baoji Xu، برفسور في قسم علم الأعصاب في أبحاث سكريبس Scrips، وهذا بدوره يشير إلى أن الخلايا الدبقية الدقيقة قد تكون هدفا جيدا للأدوية المستقبلية التي تمنع أو تعالج اضطرابات طيف التوحد، اضطرابات التوحد موجودة في ما يقدر بنحو 2.4 في المائة من الصبيان و 0.5 في المائة من الفتيات.
اضطرابات التوحد تنطوي على مجموعة متنوعة من الحالات الشاذة( غير الطبيعية)، بما فيها عجز المهارات الاجتماعية والسلوكيات المتكررة، وفرط الحساسية للأصوات والضوء.
تشير الأبحاث إلى أن هذه الاضطرابات وراثية إلى حد كبير ولكن يمكن أن يكون سببها حالات شاذة( غير طبيعية)، في أصناف من جينات مختلفة تعمل بمفردها أو مجتمعة، حتى الآن، أكثر من 100 طفرة وراثية ومتغيرات جينية ربطت باضطرابات طيف التوحد، مجموعة واحدة من تشوهات الجينات المرتبطة بالتوحد- والتي تنطوي على طفرات في جينات PTEN و TSC1 و TSC2 و FMR1 – تمثل حوالي 3 بالمائة من حالات التوحد.
التأثير الشائع لهذه التشوهات هو لتعطيل المسار الذي ينظم عادة مستوى إنتاج البروتين في الخلايا، مما يسمح بارتفاع إنتاج البروتين.
سعى شو Xu وفريقه لتحديد ما إذا كان هناك نوع معين من الخلايا في الدماغ يفسر العلاقة بين إنتاج البروتين المرتفع والسلوكيات الشبيهة بالتوحد، قام الباحثون بهندسة جينية للفئران حتى تنتج- في نوع واحد من الخلايا فقط في كل مرة من المرات – مستويات عالية بشكل غير طبيعي من عامل إنتاج البروتين المسمى eIF4E. يعتقد أن المستوى المرتفع ل eIF4E هو أحد الأحداث الشائعة التي تربط بين PTEN و TSC1 وحالات طفرات التوحد الأخرى التي تزيد من إنتاج البروتين.
وجد الفريق أنه عندما كانت هناك مستويات عالية من ال eIF4E في الخلايا الدبقية الدقيقة، طورت الفئران تشوهات شبيهة بالتوحد في السلوك الاجتماعي ، بالإضافة إلى العجز الإدراكي والسلوكيات التكرارية.
ومن الغريب أنه على الرغم من ارتفاع إنتاج البروتين في الخلايا الدبقية الدقيقة لكل من ذكور وإناث الفئران ، فإن التشوهات المرتبطة بالتوحد حدثت فقط في ذكور الفئران، نفس التشوهات السلوكية لم تشاهد على الإطلاق عندما حدثت مستويات عالية من ال eIF4E في الخلايا العصبية أو في الخلايا المساعدة المسماة بالخلايا النجمية، على الرغم من أن الفئران التي لدى خلاياها العصبية مستويات عالية من الeIF4E أظهرت سلوكيات شبيهة بالقلق.
قام الباحثون بفحص الخلايا الدبقية الدقيقة المصابة بحثا عن قرائن عن كيف يمكن أن يؤدي تخليق مستويات بروتين مرتفعة في هذه الخلايا إلى تغييرات سلوكية شبيهة بالتوحد.
ووجد الباحثون أنه في ذكور الفئران الصغيرة[ في العمر]، كانت الخلايا الدبقية الدقيقة في مناطق الدماغ المهمة، بما في ذلك القشرة ما قبل الجبهية الإنسية والحصين والجسم المخطط، أكبر بكثير وأكثر عددا، في حين كانت هذه التغييرات في إناث الفئران خفيفة أكثر وعابرة، الخلايا الدبقية الدقيقة خلال تطور الدماغ تقوم بتشذيب المشابك غير المستخدمة أو التي لا يُحتاج اليها.
وجد شو Xu وزملاؤه أنه في الفئران الشبيهة بالتوحد التي لديها eIF4E الخلايا الدبقية الدقيقة مرتفع، كان هناك نقاط تشابك أكثر من المعتاد.
مما يشير إلى عجز( عدم قدرتها على) التشذيب- وهو نمط يعتقد أيضا أنه موجود على نطاق واسع في الأشخاص الذين لديهم توحد، أظهرت الخلايا الدبقية المصابة في الفئران أنماط نشاط جينية مما يشير إلى قدرتها المحسنة على تشذيب المشابك، ومع ذلك ، كشفت التجارب أيضًا أن الخلايا تفتقر إلى القدرة على الحركة المعتادة ، والتي من شأنها أن تمكنها من القيام بوظائف تشذيب المشابك، يظن شو وزملاؤه أن هذا الانخفاض في حركة الخلايا الدبقية الدقيقة قد يكون العامل الأكثر أهمية.
و بعد الأخذ في الاعتبار كلا التأثيرين فإن قدرات التشذيب المشبكي للخلايا ضعيفة، مما يؤدي إلى تغيرات في الدماغ شبيهة بالتوحد.
يتابع الباحثون الآن دراسات لاكتشاف سبب تأثير زيادة البروتين على الخلايا الدبقية الدقيقة، لدى الذكور أكثر من الإناث، يمكن أن يثبت هذا الاكتشاف أنه جزء مهم من حل لغز الاختلافات بين الجنسين في التوحد- ويمكن أن يشير إلى علاجات مستهدفة جديدة لعلاج التوحد.