إيحاءات قرآنية (١١)
السيد أمير العلي
من أضرار وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلها الفضائيات ومسلسلاتها وأفلامها، أنّها فتحت المجال أمام الإنسان ليلاحق يوميّات الآخرين، والتفاصيل الجزئية في أخبارهم، ليرجع بعد ذلك فيقارن ما عنده بما عندهم، ويدخل في دوّامة لا تنتهي من التقليد والمحاكاة، وفي كثير من الأحيان لا يجد في إمكانياته ما يسمح له بالحصول على ما حصلوا عليه؛ فيتحسّر ويفقد الشعور بالرضا عن وضعه، وبالتالي يخسر حالة السكينة والاطمئنان.
لذلك فإنّنا اليوم كأفراد وأسر ومجتمعات، بحاجة إلى تقوية حضور مبدأ القناعة، بأن نكتشف ذواتنا وقدراتنا وما رزقنا الله من نعم كثيرة تشغلنا المقارنات المستمرّة عن الالتفات إليها، لا للقبول بأوضاعنا الحالية والجمود عليها، بل للارتقاء بها، ومحاولة الوصول إلى أفضل حال ممكن.
وما تمّت الإشارة إليه من مشكلة لا تقتصر على الشأن الفردي والأسري والاجتماعي، بل تمتدّ إلى الشأن الفكري والديني، فهناك من يشغله الإعجاب ببعض مظاهر الحياة في المجتمعات المتنمية إلى ثقافة مختلفة، عن تقدير قيمة المبادئ التي يؤمن بها، وقد يجرّه هذا الانشغال إلى التفريط بمبادئه واعتقاداته، القائمة أساساً على النظر إلى الدنيا كمحطة عابرة من محطّات الحياة، فلا يصحّ أن تجعل مظاهرها معياراً نهائياً للتفاضل، بل المعيار الحقيقي هو ما يحقّق للإنسان سعادته الأخروية، وما يضمن سلامته في تلك الدار الباقية والحياة الدائمة.
(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)
سورة طه؛ ١٣١