إيحاءات قرآنية (١٧)
سيد أمير العلي
من أصعب الحالات على الرسالي الداعي إلى سبيل الله أن تتمّ مقابلة صدق نيّته وسموّ غاياته وعلوّ مضامين رسالته بالرفض، أو التشكيك، أو اللامبالاة.
ومن أجل التغلّب على الآثار السلبية لهذه الحالة يضع القرآن الكريم أمامنا حلّاً يرتكز على ما يمكننا تسميته بالواقعية التاريخية والتكوينية.
فالرسالة الإسلامية امتداد لخطّ طويل من الدعوات الإلهية، التي تحمّل أعباءها الأنبياء والرسل الكرام، وهم واجهوا أنواع متعدّدة من ردّات الفعل الخاطئة والمتجبّرة، لكنّهم قاوموا كلّ ذلك، واستمرّت رسالاتهم مفعمة بعناصر القوّة والخلود.
إنّ الانفتاح على هذه التجربة التاريخية الطويلة، والاندماج معها، ليس هروباً من مسؤوليات الواقع وهمومه، وليس ارتكاساً إلى الماضي وانغلاقاً عليه، إنّما هو توسيع للنظرة وتعميق للشعور؛ فمن يرتهن للحظته المحدودة، ليس كمن يرى نفسه ممثّلاً لمحطّة في مسار ممتدّ من الماضي إلى المستقبل. وإنّ من وظائف الوقوف على قصص الأنبياء بانكساراتها وانتصاراتها، هو ما أشرنا إليه من التعزيز النفسي، أو تثبيت الفؤاد بالتعبير القرآني.
والواقعية الأقوى حضوراً في الفكر الديني هي تلك المنطلقة من الرؤية الكونية التوحيدية، التي ترى أن مآلات الأمور بيد الله تعالى، وأنّ جميع أفعال العباد ستلاقي ما تستحقّه من جزاء، ولن يضيع في ميزان العدالة الإلهية أيّ جهد صادق مبذول في سبيل الدعوة إلى الله، ونشر قيم الخير، كما سيرى المعاندون والمعرضون عن الرسالات التوحيدية نتائج إعراضهم واستكبارهم، في الدنيا وفي الآخرة.
(وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ،
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)
سورة فاطر؛ ٤.