إيحاءات قرآنية (١٨)
سيد أمير العلي
يصف الله تعالى كتابه الكريم بأوصاف جديرة بالتتبّع والتأمّل، منها أنّه مبارك، فيه الخير الكثير الدائم. ويرتّب على ذلك حثّه المستمرّ على إعمال العقل والفكر في النظر إلى دعوته الفيّاضة بالحياة.
وهنا نقف على أحد مؤشّرات نفي التعارض بين الدين والعقل؛ فالدين الذي يجعل طريق الثبّت من حقّانيته هو الاستعانة بالعقل، لا يمكن أن يختزن في مضامينه ما يتعارض معه، أو ما يظهر له خلافه، أو حتى ما يعجز العقل عن الإذعان له، والاقتناع به.
لكنّ استكشاف بركة الكتاب الحكيم وخيريته متوقّف على التدبّر في آياته، والتدبّر -فيما نفهمه من المعنى اللغوي والاستعمال القرآني- عبارة عن الاعتناء بخطاباته، والتمعّن في إشاراته، في محاولة جادّة للوصول إلى قوانين الهداية التي يختزنها، ودروس الإصلاح التي يقدّمها، والقيم والمبادئ العليا التي يعتبرها معالم أساسية في المسار الصحيح للمجتمع الإنساني.
ولأنّ غاية القرآن الكريم هي تذكير الإنسان، والعودة به إلى فطرته السليمة، وتحقيق ذاته العامرة بنور الهداية الإلهية، لذلك فإنّ أيّ تعامل معه، وأيّ وقوف على آياته لا يعدّ تدبّراً صحيحاً إذا ابتعد عن هذه الغاية، أو انشغل بمسائل وتفاصيل لا تنتهي إلى هذا الهدف، كما لعلّنا نجد شيئاً ليس بالقليل من ذلك عند بعض المفسّرين، حتّى اعتبر بعض العلماء كتب التفسير من الحجب المعيقة أحياناً عن الاهتداء بالأنوار القرآنية.
(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ؛ليَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ،وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
سورة ص؛ ٢٩.