إيحاءات قرآنية ١٩
السيد أمير العلي
يخطئ من يظنّ أنّه لا يوجد مناوئون للقرآن الكريم، ومصادر المعرفة الدينية، تزعجهم قيم الدين، ولا تروق لهم توصياته، ويسعون بعناية شديدة إلى إلغائه، أو تهميش حضوره في حياة المجتمعات الإنسانية.
وهم يعملون من أجل ذلك على مستويين، الأوّل منع الناس من الانفتاح على القرآن، من خلال اتّهامه بكونه سحراً أو مجموعة أساطير حيناً، وبعدم جدوائيّته في الزمن الحاضر حيناً آخر، وباتّهام متّبعيه بالتخلّف والرجعية أحياناً أخرى.
وإذا لم يفلحوا في إيقاف انجذاب الناس إلى الوحي الإلهي، بسبب ما يحتويه من عناصر جذب شديدة، كبيانه الإعجازي المتميّز، ومضامينه الصادقة العالية، وانسجامه مع تكوين الإنسان وفطرته، ينتقلون إلى مستوى آخر، هو إشغال الناس عن الالتفات إلى القرآن والمصادر الدينية بوسائل متعدّدة، ويسمّي القرآن هذا المستوى باللغو في القرآن. وقد كان أسلوب المناوئين في زمن الوحي -على ما تحكيه بعض الأخبار التاريخية- متمثّلاً في إصدار أصوات صفير وتصفيق، أثناء تلاوة الرسول صلى الله عليه وآله للآيات الكريمة.
لكنّ هذا المفهوم لا ينحصر في تلك الصورة البدائية، بل نراه اليوم يشمل من جهة ما نشهده من ضجيج إعلامي متمثّل في قنوات وشبكات ترويج الانحلال الأخلاقي، والخراب الأسري والاجتماعي، وما يعيشه إنسان اليوم من لهاث اقتصادي لا ينتهي، فرضته عليه الحضارة المادّية المتغوّلة.
ويشمل من جهة أخرى حملة الإشكالات المتزايدة على القرآن الكريم، والتي يقتنع بها من لا يتأمّل ضعفها، وينشغل بملاحقتها والردود عليها آخرون. وهذه الردود وإن كانت لازمة ومشكورة، لكنّها على أيّ حال ستصرف فيها جهود وأوقات، كان من شأنها أن تصرف في تدبّر القرآن، واستكشاف بركته وخيراته.
*(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)*
سورة فصّلت؛ ٢٦.