الإختراع الإبن البار للمعرفة و الإرادة
طه الخليفه
دائما ما تتكرر هذا المقولة “الحاجة أم الاختراع” في كثير من النقاشات بين المفكرين و حتى الأفراد العاديين و هي مقولة تفترض بأن الحاجة هي المحرّك تجاه التقدّم و رقي الأفراد و المجتمعات. لا جدال في أن الحاجة تشكّل دافعا قويا، و لكن هل تكفي لديمومة التقدم ام أن وقودها محدود و سقفها متدني؟
في الحقيقة، إن الحاجة لوحدها لا تكفي لتقدم الأفراد و المجتمعات و الشواهد على ذلك كثيرة. خذ على سبيل المثال، كثير من الشعوب في دول العالم الثالث تقع تحت وطأة الفقر منذ زمن بعيد و تزداد فقراََ مع مرور الوقت، و كثير منها يعيش تحت سوط الديون المسلط على رقابها، كما و يفرض عليها الدائنون قيودا في كيفية و نوعية معيشتها. الحاجة هنا متوفرة، و لكنها لم تكن كافية لدفع هذه البلدان نحو العمل و الإختراع و الخروج من براثن الفقر و الحاجة. و عند إمعان النظر في المجتمعات سنجد هذا ايضا واضحا للعيان على مستوى الأفراد و المجموعات حتى و إن كان هؤلاء في مجتمعات غنيّة و متطوّرة.
الكثير ربما مرّ بطريقة او بأخرى على هرم ماسلو للإحتياجات، و الذي يقول أن الفرد يرتقي بإحتياجاته من قاعدة الاحتياجات الفسيولوجيّه الى القمة و هي احتياجات تحقيق الذات مرورا بالتسلسل على الاحتياجات المتعلقة بالاحساس بالأمان و الإنتماء الإجتماعي و التقدير و الإحترام. لكن، ما الذي يحرك فردا او مجتمعا للرقي على هذا السلّم و يمنع آخر؟
الحاجة كعامل و محفّز متواجدة لدى الجميع و إن كانت بنسب متفاوتة و هناك من يرتقي السلم بينما هناك من ينزلق للأسفل و هناك من يبقى مكانه فيتخطاه الآخرون. هذا كلّه يجعلنا ندرك أن الحاجة ليست المحرك الوحيد و إنما أمور آخرى، و أن الحاجة ربما تساعد في أسفل السلم و لكنها لا تكون ذات نفع كبير للوصول الى قمة الهرم.
من واقع التجربة، كثيرا ما تقع رغبة الانسان في الحصول على مغنم معيّن او ميزة او مطلب رفاهي هو ليس بحاجة إليه و تولد هذه الرغبة دافعا لدى الفرد للسعي لتحقيق هذه الرغبة و قد يسخّر لذلك الكثير من الفكر و الوقت و الجهد بالرغم من عدم الحاجة. في الحقيقة، لو نظرنا يإمعان لوجدنا أن الحركة نتجت عن المعرفة و الإرادة. اولا، تعرّف الانسان على ذلك الشيء و وضع له قيمة في ذهنه و من ثم تولدت لديه الإرادة لإقتناء ذلك الشيء، و المعرفة و الإرادة دفعاه للسعي و العمل على الوصول لذلك المغنم او الهدف.
في رأيي المتواضع أن الحاجة ليست أم الاختراع، بل إن الإختراع هو الإبن البار للمعرفة و الإرادة.