الاقتصاد يا أولي الألباب
أمير الصالح
كل وكالات العالم الإخبارية تحدثت بإسهاب في عرض الأوجاع الاقتصادية والانهيارات المالية وتصاعد مؤشر البطالة في معظم دول العالم، حتى إن الكثير من الناس أضحى محبطاً بسبب سماع تماطر الأخبار القاتمة لفترة غير قصيرة من الزمن في المجال الصحي العالمي والاقتصادي. وأضحت معظم القروبات والمنتديات والتغريدات تنحو نفس المنحى بتناقل ذات الصور والأنباء، فعمت غيمة سوداء وأفكار سوداوية محبطة في نفوس الملايين من أبناء البشر. سؤال المليون دولار في الوقت الراهن هو: متى تنقشع تلك الغيمة ويتم التخلص من فيروس كورونا،وتعود الحياة الطبيعية لبني البشر؟ شخصياً لست مختصاً في علم الاقتصاد أو علوم الصحة، ولست مختصاً في شؤون إدارة التذبذبات الاقتصادية المضطربة، إلا أنني- كبعض أبناء جيلي- عاصرت وشاهدت واكتويت شخصياً ببعض التذبذبات لبعض القطاعات الاقتصادية وإن كنت مستثمراً غير نشط.
بعد انحسار تلكم الاضطرابات في الأسواق و المؤشرات، أستحضر العوامل المختلفة والمتداخلة والمؤثرة على تذبذب أسعار الأسهم، على سبيل المثال، وأنشطة الشركات المساهمة المستثمر فيها، وأنشطة قطاعات تجارية مختلفة. ولكوني ممن يسترشد بتجارب دروس و عبر (Lesson Learned )، خصصت بعض الوقت ودرست بعض الأزمات الاقتصادية السابقة بعد حدوثها لاستنطاق العبر والدروس المستفادة على المستوى الشخصي و بعيداً عن الضوضاء والصخب والانفعالات المفرطة أو التفريطية.
تشبعت بقراءات متعددة لأصحاب تحليلات اقتصادية مختلفة بدافع التثقيف والتعليم الذاتي في الشأن الاقتصادي المحلي والعالمي بين تجارة النفط (برنت وتكساس) والذهب والفضة والعملات (الدولار واليورو والين) والمنتجات الزراعية (القمح والقهوة واللحم ) والأسهم (الزرقاء blue chips وعديمة اللون ) وتعلمت بعض الخطوط العريضة في التداخلات والتعاملات وقواعد المتاجرة والعلاقات المتعاكسة والمتلازمة بين عدة سلع، والتحليلات الفنية للمؤشرات من شموع candlestick أو دموع.
بعد وقوع أي أزمة في الأسواق العالمية، يطل المحللون الاقتصاديون من خلال الفضائيات التلفزيونية ويصرخون بأن الذهب هو الملاذ الأمن في الأزمات،
وينصحون به. ويقول المحللون عند ارتفاع نسب البطالة وارتفاع منسوب التضخم inflation في أسعار السلع الاستهلاكية ذات التوصية باقتناء معدن الذهب. ويتنبأ المحللون الاقتصاديون بأن الطقس السيء يعني إمكانية نقص موارد بعض السلع مثل القهوة والسكر في بلاد المنشأ، وهذا يعني ارتفاع منسوب الندرة scarcity وتصاعد سعر السلع. وهكذا أضحت كل السلع تحت مجهر التحليل الاقتصادي،
والفضائيات كدست إعداد كبيرة من المحللين دون تدقيق في خبرات بعضهم أو عمق التحليل الصادر منهم.
مع إطلالة هذه الجائحة عالمياً، ازدات متغيرات التحليلات وتناثرت الآراء والتحاليل بين أهل الفن الاقتصادي الواحد.
ففي الوقت الذي يقول فيه اقتصادي عن وجوب وقوع التصحيح في القوة الشرائية للعملات، deflation، نسمع محللاً اقتصادياً آخر يذهب إلى أن الأمور ستذهب باتجاه التضخم في قيمة السلع، inflation. وفي تحليل آخر يذهب البعض من الاقتصاديين إلى إمكانية وقوع كل من الركود والتضخم الاقتصادي العالمي، stagflation.
أما معظم سكان كوكب الأرض، فقد انشطر المتضررون اقتصادياً بين إحدى الفئات التالية:
– طالب مساعدة، نتيجة فقدان مصدر دخله المالي بالكامل.
– ومنحسر دخله نتيجة للحسميات من راتبه أو فقدان جزء من مبيعاته.
– ومتبرع أو متطوع بنية الفزعة أو مواساة المستحقين للإعانة أو قربة لله أو ترويجاً لشركته أو ترجمه منه لمشاعره الإنسانية النبيلة.
ولعل كل مجتمع في المعمورة الآن يتطلع لمساهمات المحسنين العينية والمالية للتخفيف عن المعدمين والفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والمشردين والمتضررين ولاسيما في ظل جائحة كورونا.
إلا أن معظم المحللين الاقتصاديين لم يعرضوا حلولاً ناجعة حتى الساعة لتجاوز تصدعات وتحديات جائحة كورونا الاقتصادية. ولا يعلم أحد المدى الزمني لاستمرار الفيروس، ولا مدى قدرة صمود مدخرات عامة الناس للإيفاء بحاجاتهم الرئيسة.
حالياً يورد الصحافيون والإعلاميون بشكل متكرر كلمات اقتصادية مختصة دون طرح فهم مبسط وعميق للقراء أو المستمعين، ودون إعطاء تصوراً كاملاً لإيجاد أرضيات استيعاب لانعكاسات فهم تلكم المصطلحات من قبل بعض المتابعين على أرض الواقع ومعايشهم.
فكلمات مثل:
– التضخم
– العرض والطلب
– الإفساح الكمي
– الضرائب بأنواعها
– السلع الرئيسة والسلع الاستهلاكية
– التحوط المالي
– العرض النقدي
– الدورات الاقتصادية وإدارة الازمات
– التحليل الجزئي والكلي للاقتصاد
– شخصية البنك المركزي الاعتبارية وانعكاس قراراته على البنوك والإقراض والإيداعات
يتطلب أي تقرير اقتصادي إخباري استخدام بعض أو كل تلكم المصطلحات الفنية المختصة، وعلى الأفراد غير المختصين السعي الجاد للتثقيف الذاتي، self- education لفهم جيد وهادف لآليات عمل الأنشطة الاقتصادية. وفي كلمة منسوبة للرسول الكريم صلى الله عليه و آله : ” من لا معاش له لا معاد له”. وهذه الجملة تحث الإنسان على استدراك الأمور المعيشية لتأمين حياة اقتصادية كريمة له ولمن يعول، وتحفظ ماء الوجه من السؤال،
وتجعل الإنسان في وضع أقوى لإدارة مسيرة حياته و للإبحار نحو أهدافه. فالاقتصاد الاقتصاد يا أولي الألباب.
فبينما البعض غارق في قتل وقته بالتسليه المفرطة حد التخمة، لنتذكر بأن نذكرهم أنفسنا بضرورة التثقيف الاقتصادي والمالي للحفاظ على مابين الأيدي من نعم، وشكر الله عليها ومد يد العون والمساعدة للأكثر حاجة من أبناء المجتمع.