ممارسات بسيطة قد تجعل البعض أكثر سعادة
أمير الصالح
كنت متردداً بعض الشيء في كتابة هذه الأسطر خشية فهم البعض أن الكلام لا يتخطى سقف التنظير ، فأنا أُؤمن بأن على المرء أن ينجز في حياته الشخصية بالمجال الذي يحبه ويبدع فيه، ثم يقوم بدور المدرب أو الموجه للآخرين في الشأن الذي أنجزه أو مارسه. والسعادة مطلب الجميع، وقد يصل أحدنا قبل الآخرين لجملة من قناعات تزيد محتوى السعادة في حياته، ولا يعني ذلك أن المتكلم بها يعيشها على الدوام بشكل دائم دون منغصات. ومن باب (أحب لاخيك ما تحب لنفسك) نتشارك ونسمع ونتطارح الآراء في هذا الموضوع لعلنا
وإياكم نصل للغايات السامية والسعادة الدائمة.
كلنا نعلم بأن الحياة مجموعة تجارب، ولكل منا تجارب عدة خاصة به في عدة أطر وآفاق ذات صلة بالزمكان والبيئة الحياتية المحيطة، وينقلب حال الإنسان عادة إلى سعادة أو تعاسة بانقلاب مشاعره أثناء خوضه لكل تجربة إن صعوداً أو هبوطاً، ومن الجميل أن يلخص الإنسان الفاعل بعض ملاحظاته لتلكم التجارب، ويزكي عقله وقلمه ويشارك بها الآخرين لرفع مستوى حلقات التأثير والتأثر والاستفادة والاستلهام .وددت أكثر من مرة أن أستمع إلى أكبر قدر من تجارب الآخرين في المضمار المهني أو الإداري أو التربوي. ولقد سعدت بسماع القليل من تجارب بعض الأصدقاء في حقل السعي لتحقيق السعادة النفسية.
وأشارككم هنا بأشياء من التجارب الشخصية في هذا المضمار قد تختصر الطريق للشباب وللبعض في تلمس معالم طريق السعادة والراحة النفسية. وَلَدى معظم القراء الكرام حتماً المزيد من إضاءات معالم الطريق للسعادة أتطلع لقراءتها أو سماعها. كمقدمة لسرد النقاط التي بحوزتي، أود أن أورد ماقاله البعض من علماء النفس والاجتماع وسطروه في عدة كتب ومقالات وتسجيلات متلفزة في مضمار السعي لتحقيق السعادة. من جملة ما قاله بعض العلماء الاجتماعيين: الجهد الذي يبذله البعض من الناس لخلق وهم السعادة في نظر بعض المحيطين بهم أو في تطبيقات الوسائط الاجتماعية أكبر من الجهد الطبيعي المبذول من قبلهم أو يساويه، لتحقيق السعادة الحقيقية وخلق حالة الرضاء الذاتي والانضباط النفسي في سلوكهم. وقال علماء الاجتماع إن تكرار حالات خيبات الأمل المرتبطة بردود الأفعال أو التفاعل نحوهم تجعل حياة البعض في وهم السعي الدائم لنيل رضا أمزجة الآخرين ورهن استحساناتهم النفسية.
أورد هنا على شكل نقاط بعض تلكم النقاط التي ترسم طريق السعادة، وكم كنت أتمنى لو سمعتها وفعلتها منذ بداية مرحلة شبابي:
١- اقدم نفسي كما أنا وكما أشعر به داخلي بكل ثقة للآخرين، وأجتنب ارتداء الأقنعة سعياً لأن يقبلني الآخرون أو كما يريدون لي أن أكون مهرجاً ساعة أو جلاداً ساعة أخرى لكي يقبلوا بي.
٢- أحاول أن لشخص الأمور بموضوعية متجردة وأجتنب الإفراط بالحرص الزائد أو التفريط بعدم المبالاة. وأصرف وقتاً أكثر مع من يبادلني مشاعر الود والاحترام بكل صفاء دون تكلف أو مجاملة.
٣- أعيش بمصادر دخلي المالي التي أكسبها من جهدي وعرق جبيني، ولا أقارن باستمرار بين مستوى معيشتي مع مستوى معيشة الآخرين. فالكثير من المقارنات تجلب التعاسة وتتعب النفس وتئد أوقاتاً سعيدة.
٤- لا أجامل في المأكل والمشرب وصرف الوقت على حساب صحتي أو قناعاتي الإيمانية أو مالي أو أولوياتي من المهمات الشخصية أو الأسرية. فكما أن غيري غير ملزم بإرضائي، فأنا أيضا ً غير ملزم بإرضاء الآخرين على حساب أولوياتي. فعلينا تفعيل خاصية الذكاء العاطفي بربط النقاط وتجنب الوقوع في أي مشكلات.
٥- أحافظ على علاقاتي الجيدة مع من يهمني شأنهم ولا سيما أفراد أسرتي، فهم السند والظهر والذخر وقت الأزمات الحقيقية. ولعل جائحة كورونا أبرزت أهمية هذه الحقيقة.
٦- أجتنب اجترار الماضي باخطائه، وأستلهم من جميل الماضي ماينفع لصنع الجميل وشحذ الهمة في تحقيق الأفضل في الحاضر والمستقبل.
٧- أصرف بعض الوقت متأملاً في التطلع للأفضل وتجنب الانغماس في الخوف من المستقبل وأجتنب سماع المتشائمين حد الإفراط.
٨- فعلت أكثر من مرة خاصية التكييف مع التغيرات ومواكبة التغيير المناسب نحو الأفضل، وهذا التفعيل تطلب مني في بعض الأحيان تغيير مكان الانتساب في العمل او مكان الإقامة أو مجال النشاط المهني أكثر من ست مرات.
٩- أحاول أن أقرأ أكثر من أن أتكلم، وأحاول الاحتفاء والإحاطة بمن يزيدني علماً وخيراً.
١٠- لكثرة تطبيقات الوسائط الاجتماعية
والمشوشات، أركز وأحاول أن أحافظ على مستوى التركيز والمواظبة لتحقيق الأهداف التي وضعتها للوصول إلى السعادة. وأحجب نفسي عن أي تطبيق أو محادثات أو دردشات أو تجاذبات أحاديث في أمور لا تعنيني، أو قد تفسد عالمي، أو تجعلني داخل أي استقطابات، أو تجعلني حطب اشتعال في مغامرات الآخرين.
١١- في الإدارة المالية، دائماً أقرأ لنفسي وأدرس مع أحد الأصدقاء المقربين إحدى كلمات الإمام علي بن ابي طالب (ع)،التي نصها : ” أحسن إلى من شئت تكن أميره…. واستغن عمن شئت تكن نظيره… واحتج إلى من شئت تكن أسيره” . في جنبة الاستقلال المالي الذي يصون ماء الوجه، فهو نعمة تستحق دوام الشكر والحمد لله العلي القدير. والمال مصدر سعادة كما العلم، والسعي نحو توفير المحترم عمل رئيس للحفاظ على الكرامة
والاستقرار النفسي والعاطفي.
١٢- خلق عالمك وقناعاتك بعيداً عن تأثير الإعلام التجاري المبهرج أو الأصوات العالية أو تمدد الموجات الفكرية المستبدة.
١٣-أحاول أن أستلهم من السابقين، وأُلهِم من ياتي بعدي بما أرسمه من مسيرة في حياتي العملية أو الحياتية بالقدر المستطاع.
١٤- المحافظة على ديمومة الدفع الذاتي لتحقيق ما أصبو إليه وتجنب التذرع بالحج الواهية، فأنا المسؤول الأول والأخير عن إسعاد نفسي وتحقيق الرضا لذاتي، وإلقاء اللوم على الآخرين لايجدي نفعاً.
١٥- أروّح عن نفسي بين الفينة والأخرى بالاستماع أو مشاهدة أو ممارسة أنشطة أحب أن أعملها وتليق بمقامي وتناسب المرحلة العمرية.
أذكر نفسي بأنه كما أن هناك نماذج عمل تجاري متعددة وناجحة، أيضا هناك نماذج متعددة لخلق السعادة، ويمكن لأي منا البحث عنها من مصادر عديدة وتطبيقها في حياته.
في ظل جائحة كورونا، أثبتت الأيام أنه ليس فقط المال أو الجاه أو تعدد الأملاك أو كثرة العقارات هي مصادر السعادة، بل الأهم هو أن تعيش السعادة أطول وقت ممكن من خلال طيب العلاقة مع المحيط وحسن الاستقرار ،وصون ماء الوجه من ذل سؤال الحاجة أو تنافر النفوس أو كثرة الإحباط أو الانشداد لما في يد الآخرين. فالسعادة هي من أولى أولويات ما يقصده البشر الأسوياء ويمكن أن يتذوقه البعض في صور بسيطة جداً بموارد بسيطة جداً. وأتذكر القول اللاتيني المأثور في وجوب المضي نحو الأهداف جماعياً، وبث روح المشاركة ولا سيما في مجال السعادة: if you want to go fast go alone. If you want to go far , go together.