الموسى: بعد رفع الحظر هلْ ستبقَى المساجدُ هيَ الوحيدةُ مغلقةٌ؟!
مالك هادي: الأحساء
تناول سماحة الشيخ عباس الموسى في حديث الجمعة عن كيف نقف مع الأمراض بإيجابية؟ وحول بقاء المساجد مغلقة مع الفتح الشامل ؟
فعرف سماحته الإيجابيةُ أنها حالةٌ في النفسِ تجعلُ صاحبَها مهمومًا بأمرٍ ما، ويَرى أنهُ مسؤولٌ عنهُ تجاهَ الآخرينَ، ولا يألو جهدًا في العملِ لهُ والسعيِ منْ أجلِهِ، وأن الإيجابيةُ تحمِلُ معانِيَ التجاوبِ، والتفاعلِ، والعطاءِ، كما وصف سماحته الشخصُ الإيجابيُّ بأنه الفردُ، الحيُّ، المتحركُ، المتفاعلُ معَ الوسطِ الذي يعيشُ فيهِ.
في المقابل عرف السلبيةُ بأنها تحملُ معانيَ التقوقُعِ، والانزواءِ، والبلادةِ، والانغلاقِ، والكسلِ، وأن الشخصُ السلبيُّ هوَ الفردُ البليدُ، الذي يدورُ حولَ نفسِهِ، لا تتجاوزُ اهتماماتُهُ أرنبةَ أنفِهِ، ولا يمدُّ يدَهُ إلى الآخرينَ، ولا يخطُو إلى الأَمامِ.
وأكد الموسى على أن الإسلامُ أرادَ لنا أنْ نعيشَ الإيجابيةَ في حياتِنا وتعاملاتِنا معَ الآخرينَ، إيجابيةَ التعاونِ على البرِّ والتقوى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ﴾، وإيجابيةَ التفاعُلِ الاجتماعيِّ وتتمثلُ كما في الآيةِ الكريمةِ في ثلاثةِ أمورٍ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ) تَستثنِي الآيةُ (أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وعن مظاهِرِ الإيجابيةِ في القرآنِ قال: أنْ يَعملَ المسلمُ ولا يكونَ كَلًّا على غيرِهِ، فالإسلامُ يدعونا للنشاطِ والحيويةِ وحبِّ العملَ، يقولُ تعالَى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
وذكر سماحته أن محاربةُ الفسادِ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ من المظاهر الإيجابية في القرآن ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
وتحدث الشيخ الموسى عن الإنسانُ المعطاءُ والإيجابيُّ فقال: هو الذي لا يفكرُ في نفسِهِ بلْ يفكرُ في الآخرينَ، ويبحثُ عنْ مصالحِهِمْ ويسعَى لتحقيقِها ولوْ كانَ ذلكَ على حسابِ نفسِهِ، وعندَما تحصلُ الصعابُ والمشاكلُ تجدُهُ أمامَ الناسِ مذلِّلًا للصعابِ، ومهوِّنًا الخطابَ، يبعثُ الأملَ والتفاؤلَ بكلامِهِ وسلوكِهِ.
واستشهد من القرآن الكريم بالإيجابيةَ المفعمةَ بالأملِ بقولَهُ تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فقال: وفيها حثٌّ على السلوكِ الإيجابيِّ في عدمِ الوهنِ وعدمِ الحزنِ، وبقولَهُ تعالَى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وهي مفعمةٌ بالرحمةِ، ومليئةٌ بالتفاؤلِ وعدمِ اليأسِ، وهذا يذكِّرُنا بقصةِ النبيِّ يعقوبَ بعدَما فقدَ ابنَيْهِ يوسفَ وأخاهُ، فلمْ ييأسْ منْ رحمةِ اللهِ، وانظُروا كيفَ خاطَبَ أبناءَهُ: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
وأكد الشيخ الموسى على أن الإيجابيةُ لا تأتِي مِنْ فراغٍ، وإنما مِنَ الإيمانِ باللهِ وبما جاءَ بهِ، فكلما ازدادَ الإنسانُ إيمانًا ازدادَ إيجابيةً، واستشهد بقولِهِ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فهي تتضمن رسائِلَ إيجابيةٍ للمؤمنِ تجعلُهُ يعيشُ فرحاً سعيداً، فلا يحزنُ ولا يخافُ.
وعن الظاهرة السلبية قال الموسى: وعلى عكسِ ذلك مَنْ لا يحمِلُ التفاؤلَ والإيجابيةَ تجدُهُ منكفِئًا عنِ المجتمعِ، يخافُ على نفسِهِ ولا يفكرُ في المجتمعِ، ربَّما ما نحنُ فيهِ مِنْ أزمةٍ يدعونِي أنْ أذكُرَ مثالًا واقعيًّا، كمْ همُ المثَبِّطونَ هذهِ الأيامَ عنِ المسجدِ بحجةِ كورونا، وكمْ هيَ المساجدُ التي أُغلِقَتْ بحجةِ ذلكَ، وكانَ سببُ ذلكَ كما نَرى هوَ التثبيطُ والتخويفُ وكأنَّ بيوتَ اللهِ بؤرةٌ للوباءِ، فنَشَروا الخوفَ والرعبَ بينَ الناسِ بطرقٍ متعددةٍ، مِنها الإغلاقُ الحاصلُ، ومِنها الرسائلُ التحذيريةُ، والتي مضمونُها لا تذهَبْ إلى المسجدِ، ومنها الكلامُ المباشِرُ (نتريثُ) وكفَى.
ودعى سماحته إلى النَّظَرِ بواقعيةٍ، فقال: هذا مرضُ السرطانِ يفتكُ بآلافِ الناسِ في كلِّ عامٍ هلْ وَجَدَ الطبُّ لهُ علاجًا نهائيًّا؟! وكمْ أخذَتِ الحوادثُ مِنْ شبابِنا والأرقامُ في ذلكَ كثيرةٌ ومؤلمةٌ؛ فهلْ علينا أنْ نعطِّلَ الحركةَ والعملَ بالسياراتِ لأنَّ فيها احتماليةَ الحوادثِ، وكمْ قتلَتِ الانفلونزا الموسميةُ في كلِّ عامٍ عشراتَ الآلافِ؛ فهلْ علينا أنْ نمتنِعَ عنْ كلِّ تجمُّعٍ؟ وتلاحظونَ الموتى منذُ بدايةِ الأزمةِ الكورونيةِ، تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدٌ، ولكنَّنا نلاحظُ هذهِ الفترةَ (السكتةَ القلبيةَ) أكثرَ أسبابِ الموتِ.
كما دعى إلى العودة بوعيٍ وبحذرٍ؛ وبتطبيق كلَّ التعليماتِ الصحيةِ التي أكدَتْ عليها وزارةُ الصحةِ في كلِّ مكانٍ، وأن نعيشَ بأملٍ وتفاؤلٍ بلْ ونبعثَ الأملَ في أوساطِ الناسِ بدلًا مِنْ بثِّ الخوفِ، فقال : بعدَ غدٍ وبعدَ قرارِ الجهاتِ المختصةِ بضرورةِ رفعِ الحظرِ معَ الحذرِ سيُفتَحُ كلُّ شيءٍ أمامَ الناسِ فهلْ ستبقَى المساجدُ هيَ الوحيدةُ مغلقةٌ؟!
وختم سماحته حديثه بالقول: التفاؤلُ والإيجابيةُ يزيدُ مِنْ مقاومةِ الجسمِ للأمراضِ ويمنحُ الإنسانَ السعادةَ في حياتِهِ، ويلاحِظُ علماءُ النفسِ والأطباءُ المختصينَ في ذلكَ علاقةَ الخوفِ والقلقِ والتوترِ والإصابةِ بالأمراضِ المزمنةِ، ودورَ الإيجابيةِ والتفاؤلِ والأملِ في التخلُّصِ مِنْ بعضِ الأمراضِ.