خدمة المجتمع Community Service
أمير الصالح
عام ١٩٩٩ م ،بعد بناء جسور الاحترام والثقة من طرفي للسيد المهندس شاه، أضحى الموظف شاه الهندي الجنسية الذي أدير الإشراف على عمله صديقاً مقرباً لي. شاركني حينذاك السيد شاه بعدة تقارير أعدها بنفسه لأبناء جاليته باعتبارها خدمة منه لهم. أحد تلك التقارير كان يتضمن عقد مقارنات لقوائم مالية تتدارس فرص وأنواع الاستثمار والعوائد من كل فرصة استثمارية في مجال الودائع البنكية السعودية، وتجارة معدن الذهب، وتجارة بعض العملات الرئيسة. والاجمل أن المهندس شاه كان يعمل ذلك تلقائياً بدافع المسؤولية الاخلاقية والمسؤولية الاجتماعية لتنمية أبناء جاليته ومجتمعه. وبسبب انتقالي لعدة شركات، ورجوع السيد شاه كومار إلى موطنه، اضمحل التواصل بيننا وتلاشى.
ظل مفهوم الخدمة الاجتماعية الذي مارسه وقام به السيد شاه نموذجاً عالقاً في ذهني. بعد مروز عدة عقود، أحببت تفعيل ذات الفكرة وعلى عدة أصعدة وداخل نطاقات اجتماعية مختلفة: الأسرة، الحمولة، القبيلة، الحي، المجتمع الذي أنتمي إليه، المدينة التي أقطنها، الحاضرة المحيطة بي، الشركات التي عملت بها، والوطن. وفقت بحمد الله في تقديم عدة مقترحات وبعض الدراسات البسيطة ذات الأفكار الجديدة أو ذات القيمة المضافة. ولكون تلكم الاقتراحات انطلقت من باب الخدمة الاجتماعية، فهي غير ملزمة لأبناء أسرتي وحمولتي ومجتمعي والشركات التي عملت بها وبلادي. رأى بعض تلكم المقترحات النور ولو في مجتمع آخر بعد اقتباسها وبعضها الآخر ذهب أدراج الرياح.
مما لاحظته في وسطنا الاجتماعي إلى الأمس القريب أن مفهوم الخدمة الاجتماعية لدى الكثير من الناس يتجسد في التطوع بالعمل تحت مظلة الجمعيات الخيرية بأنشطة، مثل تجميع المعونات وتوزيعها أو توصيلها على المحتاجين. أما مفهوم إعداد دراسات مبسطة في شؤون إدارة الحياة المختلفة فهو شبه منعدم أو يقدمه/ يقوم به البعض في نطاق ضيق جداً جداً وخافت الصوت والصدى. ولعل ضيق مساحات المشاركات بالدراسات العلمية والاقتصادية والتربوية المفيدة داخل ذات المجتمع يومذاك تجعل من ذلك المجتمع أشبه بأرخبيل جزر مكون من كانتونات بشرية مهلهلة الأواصر ومتعددة الانتماءات وذات أطر ووشائج تاريخية قابلة للتشرذم تقادماً مع الزمن. ويغلب عليهم عامل المجاملة.
الحمد لله أنه في ظل تطور أدوات الاتصال والتواصل الاجتماعية وثورة الاتصالات، أضحت الندوات العلمية والحقوقية والطبية والتعليمية والنفسية
والاقتصادية تتقاطر بشكل غير مسبوق على مستوى المعمورة. وأضحت الفرص كبيرة لأن يتجاوز الإنسان المنتج في عطائه الفكري الجيد والإرشاد الاقتصادي الناهض
والتفاعل التربوي المفيد إلى خارج أبناء الحي أو المجتمع أو المدينة أو البلاد. سابقاً، كانت تطرق مسامعي الآية الكريمة (
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) والآية الكريمة (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله) أثناء إطلاق حملات جمع التبرعات المالية الأسبوعية للفقراء من خلال كوادر الجمعيات الخيرية في دور العبادة. الآن ومع وجود فضاءات متعدده في الانترنت لإيصال خلاصة دراسات أو نقل تجارب حياتية أو المشاركة بترجمة النافع مما يقرأ الآخرون، نتطلع وإياكم إلى المنافسة بمشاركات أهل النمو العلمي والإرشاد الاقتصادي والتوجيه التربوي لخلق نمو اجتماعي فعّال وإحداث وعي يليق بمجتمعنا وأبناء بلادنا. إنتاج أهل المهايطات والمناكفات والسخافات أضحى من كثرته يُصَدّر للعالم ونراه في عدة منصات إلكترونية. ونتطلع وإياكم بأن يتحفنا أهل العلم والاقتصاد والأخلاق
وأهل العلوم بتزكية علمهم ومشاركة أبناء مجتمعاتهم بأوراق عمل رصينة وأمينة وذات محتوى علمي مفيد لتساهم في نمو أفراد المجتمع وترفع قدر أكثر عدد من أبنائه ولا سيما لما بعد صدمات جائحة كورونا.
من جهة أخرى كم جميل أن نرى تقدم الأفراد بإثبات نية المثابرة في التحصيل المفيد والتميز للأفضل، والسعي الجاد للتفوق من خلال العمل
وترك الكسل، والابتعاد عن التسكع، والمحافظة على الأوقات، والإصرار على الإنجاز والتحليق للأعلى، والحفاظ على الكرامة بكل أنواعها،
والترفع عن البلاهة، وتجنب الجلد الذاتي،
وتأكيد مفهوم احترام الذات بالممارسة التطبيقية وليس بالشعارات الطنانة. ولا يفوتني أن أشكر كل من ساهم ويساهم في تجذير المفاهيم الصحيحة والوعي الناضج بالمقالة أو المحاضرة أو المسرحية أو التحقيق العلمي.