العوائد المتناقصة
طه الخليفة
في عالم الاقتصاد، والاستثمار، هناك ما يعرف بـ “العوائد المتناقصة”، وببساطة هو مصطلح يعني أن هناك حداً أعلى للاستثمار المُجدي في مجال، أو مشروع ما، من بعده تقُل نسبة الأرباح على الاستثمار، أي أن الأرباح لا تنمو بنفس وتيرة زيادة الاستثمار.
على سبيل المثال، عندما يستثمر فرد في عمارة سكنيّة في موقع معيّن، فإن العائد يُحدد غالباً بعدد الوحدات السكنيّة، وحجم الوحدات، وأن تكون الجودة مقبولة لدى المستأجرين، فيتحصّل المستثمر على عائدٍ بناءً على ذلك. بينما لو ضخّ المستثمر أموالاً إضافية، تُظهر فخامة خارجيّة مبالغ فيها للمبنى، فإن ذلك عادة لا يؤثّر كثيرا على العائد من الإيجار، وبالتالي يكون قد دخل في منطقة العوائد المتناقصة لاستثماره.
على مستوى الفرد، والمجتمع، كثيراً ما نقع في فخ العوائد المتناقصة في مجالات متعددة في الحياة، مدركين لذلك أحياناً، وغير مدركين في أحيان أخرى.
لو أخذنا على سبيل المثال الدراسات العليا، فالحصول عليها رائع، ومحمود، ولكن قد يقع البعض من أبنائنا الطلبة في العوائد المتناقصة عندما يستثمر سنتين، أو أكثر من عمره للحصول على شهادة الماجستير في مجالٍ، لا يتطلّبه سوق العمل، ولا يدعم مستقبل الطالب الوظيفي، الذي لم يُحدد بعد اصلاً. التخصص، ونيل الشهادات العليا يجب أن يكون داعماً لسدّ الحاجة في سوق العمل، ومهيّئاً للتطوّر المهني، حتى لا تكون العوائد متناقصة، بل متزايدة.
بين عامي ٢٠٠٠ – ٢٠٠١م، مارست رياضة الجري باندفاع نسبياً، وكنت أتبع جدولاً تدريبيّاً مجهداً، وشاركت في بعض السباقات المحلّية. كانت تجربة جيّدة في الغالب، ولكن حدّتها، أوقعتني في العوائد المتناقصة. الرياضة المطلوبة من شخص غير محترف، في وجهة نظرنا، هي التي تحافظ على الصحة الجسديّة العامّة، وتبعد ممارسها عن السمنة، والضغوط التي قد تفرضها متطلبّات الحياة المتنوّعة، أمّا ما زاد عن ذلك فهو غير مطلوب لغير المحترف، وقد يتسبب في نتائج عكسيّة، مثل الإصابات، أو الضغط النفسي، ركضاً وراء تحقيق أرقام شخصيّة جديدة، وهذا قد ينسحب أثره سلباً على جوانب أخرى من حياة ممارس الرياضة.
كثير منّا يحب اللقاءات، والتجمّعات، العائليّة والاجتماعية، وهي مهمّة جداً، فالإنسان خُلق بطبعه اجتماعياً، ومثل تلكم الاجتماعات تجعل الفرد على تواصل مع الآخرين، عارفاً بأحوال المجتمع، ومستجدّات الأمور، وربما منخرطاً في أنشطه نافعة على مستوى الفرد، والمجتمع، ومن ضمن المنافع صلة الأرحام، والترفيه عن النفس بلقاء الأحبة، والأصدقاء. لكن في نفس الوقت، يجدر بنا أن لا نقع في فخ العوائد المتناقصة، فكثرة اللقاءات قد تفسد الود، وتقود للملل، وطول اللقاءات قد يجرّ المشاركين إلى الآفات الاجتماعيّة، كالخلاف والغيبة، وتناقل الإشاعات وغيرها.
وسائل التواصل الإجتماعي، ربما تكون أبرز مثال أوقعنا في مصيدة العوائد المتناقصة، بل يمكن أننا دخلنا في العوائد السلبيّة، إذ أصبحنا نتداول الرسائل المتنوّعة تحت عناوين متعددة، ونستهلك معظم وقت فراغِنا (لكي لا اكون قاسياً)، في مشاهدة وقراءة الغث، والسمين. اسأل نفسي احياناً، ماذا تذكر من مئات الرسائل التي قرأتها اليوم، فلا يتعدى الناتج أصابع اليدين، بينما يفاجئني الهاتف الذكي بإحصائه للساعات التي قضيتها مبحلقاً نظري في شاشته الصغيرة. ثم اسأل نفسي، ماذا كان يمكن أن أحقق، لو قضيت نصف هذا الوقت يوميّاً في العمل على تحقيق هدف معيّن، سواءً كان معرفيّا، أو عمليّاً، أو استثمارياً.
إنها دعوة، لنفسي أولاً، وللأحبة القّراء جميعاً، لترشيد الاستثمار، وللحذر من العوائد المتناقصة، وكما قيل في الحكم الموروثة، “الشيء إذا زاد عن حدّه، انقلب إلى ضدّه”، و دمتم سالمين.