شؤون أسرية (أحباب واصدقاء)
سهام الخليفة
الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع. وكلما كان الأساس قوياً، واستمر مترابطاً، انعكس ذلك على المجتمع، والعكس يحدث، فالعلاقة إذن تقع تحت بند التناسب الطردي.
هناك أمور مهمة في حياة الزوجين، لها أثر كبير جداً على مسمى علاقتهما، والمصير الذي يتجه له مركبهما.
هناك صورة قديمة-ربما مازالت- لروابط روتينية، نمطية لا تتغير لأن المجتمع لا يعترف بغيرها، لكن لا تصل بالأزواج للسعادة المنشودة. وفي المقابل هناك صورة، الغالبية يتمنونها، صورة متجددة نابضة لا تخضع للشكليات الرتيبة المتعارف عليها.
مما سبق، ينبثق سؤال يحتاج لجواب شافٍ، وصادق، جواب يتمعنه العقل، ويؤمن به القلب، دون مبالغة، أو انحياز، جواب حيادي صرف، ومنصف.
السؤال هو:
أيهما أفضل بين الزوجين
أن تكون مشاعر الحب فقط هي ما تربطهما، أم
لابد أن ترافقها روابط صداقة؟
الجميع يحتاج لعاطفة تملأ قلبه، تنعش روحه تبعد عن حياته شيح الجفاء، وجدب الأحاسيس.
إن العواطف مجملًا لها عناوين كثيرة، وصور عديدة، تتبلور من خلال مواقف، وأحداث، وما بينها من حوارات، وهمسات. وربما صمت، وسكون.
إن ما يهمنا نحن البشر استمرار وهج تلك العواطف، ودوام تألقها في مختلف مراحل الحياة، ومحطات العمر . لا نستثني منها الرجل، ولا المرأة، فكليهما بحاجة ماسة لتدفق ينابيع العواطف، وتجدد مظاهرها، لكن وافعًا نجد أن الرغبة في كفة، وما يحدث يكون في كفة أخرى .
إن التعود، والروتين، والانشغال بتأمين الماديات يدفع بالعواطف إلى هاوية التبلد، والبرود، الذي يؤدي إلى النفور، وانطفاء جذوة الحماس، والشغف اللازم لحياة تلك العواطف .
البعض يرى أن الحب مجرد عاطفة تكون متأججة، ومشتعلة بالقلب ضمن غريزة الحاجة لامتلاك من تود أن تعيش النفس بجانبه، وما عدا ذلك فهي تقع تحت بند المسلّمات، التي تحدث دون سعي.
فيعتبر المودة، والتراحم، والإعزاز،كذلك الاحترام، والاهتمام يدخل ضمن الهوامش الغير مباشرة. ولا يعتبرها كزاد يمد تلك العلاقة بالقوة، والاستمرارية.
وفي المقابل،
يجد آخرون أن روابط الصداقة بين الأزواج هي الأدوم، والأمثل، فكل طرف يقوم بدوره، وبحقق رغباته، لكن بسلوكيات بعيدة عن الامتلاك الفعلي، اي بمعنى كل طرف له حدود لا يتجاوزها، ويحتفظ بصلاحياته ضمن شروط، وبنود متفق عليها، فيضمن كل طرف حريته، وفق تفاهم، وانسجام، حول الحقوق، والواجبات، ويتخلص عن عبء المراقبة، والاستعباد، أو ما يدعونه بالملاحقة الغير منطقية، والفرض القهري.
. وبهذه المفاهيم تسود علاقة صداقة زوجية مريحة للطرفين.
إن الأمر ليس سهلاً، وقد يلقى معارضة، أو تأييداً وبتبريرات شتى.
لذا يتبادر للذهن -من جديد-تساؤل ملح، أيهما أفضل للزوجين، الانصهار، والذوبان في بوتقة الزواج النمطي كليةً، وتهيمن عليها الأواصر المشروطة، والوشائج المحددة، فينتهي مسار العلاقة الشيّق، ويصبح مشحوناً بالتوتر، والضيق، فيسأم كل طرف نفسه ، قبل صاحبه، لتكون النتيجة الابتعاد العاطفي النفسي، ودون مبالغة يتطور إلى الشرود الحقيقي كلما سنحت الفرصة،
هناك العديد من النظريات، والدراسات، التي تتجدد، حول هذا المبحث، وكل منها يحاول إثبات صحة دعواه. لكن الشارع المقدس سبقها، وأوضح كيف تكون أسس العلاقة بينهما، حين
قال تعالى :{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم21
ختامًا:
إن الموازنة في التعامل، وعدم إلغاء طرف للطرف الآخر، وجعل التقارب المنطقي، روحاً وجسداً، هي الوسيلة الآمنة لعلاقة طبيعية بين جميع الأطراف المعنية.
وواقعنا مليء بكل ما يوثق العلاقات الزوجية، ويكسبها قوة، وتجدداً، بالمشاركة، والمصاحبة.