فدائي العمل والوطن والإنسانية
يوسف بن معتوق البوعلي
رأى (أحمد) النور في هذه الدنيا وغادرها في الشهر ذاته (ذي القعدة).
بدأ دراسته بالطموح والاجتهاد لنيل أعلى الدرجات، فتخرج من جامعة الملك فيصل طبيباً عاماً، ومرّ في سنة الامتياز بمستشفيات: الملك فهد، وابن جلوي، والحرس، و مستشفيات أخرى خاصة مثل مستشفى الجبر.
ثم سعى (أحمد) لإكمال دراسة التخصص، فالتحق بالمستشفى العسكري بالرياض، وبعد سنوات الدراسة تخرج (أحمد) اختصاصي أعصاب أطفال.
عزز (احمد)دراسته واختصاصه بدورتي تدريب في لندن وكندا، ثم عاد إلى الأحساء ليعمل في مستشفى النساء والولادة والأطفال.
كان (أحمد) شغوفاً بالأطفال ومداعبتهم، وكان هذا الأسلوب هو خطوته الأولى في العلاج، مما بعث روح المرح والتفاؤل لدى الأطفال ومرافقاتهم (الأمهات) في أقسام التنويم والعيادة يوم الخميس من كل أسبوع. وكان (أحمد)يقوم بعمل الاستشاري في ظروف غيابه.
إضافة إلى العلاج كان يقدم وساطته لتقريب مواعيد الكشف والتحليل والأشعة والتصوير، وقد استفاد من علاجه الكثير والكثير، حتى أنّ البعض منهم يتواصل معه لمعرفة تفاصيل العلاج.
وقد أشاد به وأثنى عليه الكثير، وتفاجأ البعض بغيابه، بدليل ما كُتب عنه في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر وواتساب وفيس بوك) من بلادنا العزيزة من مختلف المناطق والمحافظات، وممن اتصل بأفراد الأسرة حول الاستفادة من علاجه لأطفالهم.
ويذكر زميله الاستشاري/حسين العبدالله أن: ” د. أحمد صاحب مبادرة تأسيس مجموعة واتس آب للأطباء المتدربين من كافة مستشفيات المنطقة، لمناقشة كل مايخص طب أعصاب الأطفال، ومايستجد منه، واستقبال أسئلة المتدربين ونقاشاتهم. ولم يكتفِ بدراسته الأكاديمية ولا تحصيله للبورد السعودي والأردني، بل كان ديدنه البحث والاطلاع والمناقشة/ يتواصل مع من في الامتياز والطب ليعطيهم معلومات وكتباً علمية وطبية جلبها من خارج البلاد لمرات عديدة. وكان يسعى- وقد قطع شوطاً من الإجراءات- لدى جهات الاختصاص لإكمال بعثة خارجية إلى كندا أو أستراليا لزيادة التوسع في الدراسة وللتحصيل العلمي في الطب “.
هذاالجزء المختصر من واقعه العملي، أما الجزء الإيماني والإسلامي والاجتماعي من شخصيته فيتمثل في تربيته على المحافظة وأداء الواجبات، من الصلاة والصوم وسواها، ومن المستحبات المتمثلة في قراءة القرآن الكريم والسلام والزيارة لنبي الرحمة محمد وأهل بيته الطاهرين.
أعطى (أحمد) هذا الجانب وتبعاته اهتماماً كبيرًا اقتطعه من ساعات يومه، ومثال على ذلك: إنه كان في رحلة مع إخوته إلى أمريكا، وتزامن ذلك مع ليلة عرفة، فأصر على تأدية أعمال عرفة مع إخوته قبل الخروج. وكان مداوماً على أعماله العبادية من واجبات ومستحبات بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، ولم يُعرف هذا عنه إلا بعد هذه الفاجعة المؤلمة، والحزينة والصاعقة القوية.
ومن السمات الشخصية التي كان يتمتع بها وجهه النّيّر، وبشر محياه المتفائل.
كان إذا حل بالمكان حلت أجواء الهدوء والمرح. وكانت علاقته بأفراد الأسرة وبالآخرين سواهم علاقة احترام وأخوة ومحبة،و إلى جانب الاحترام كانت حرية الرأي والمناقشة الهادئة والهادفة من أبرز سمات شخصيته.
كان (أحمد) باراً وفياً، يقف مع الحق والعدل. هذه السمات والصفات والسر الذي نقله الله سبحانه وتعالى إلى جواره. أبى إلا أن يقوم بواجبه العملي والإنساني في أحلك الظروف، حيث كان يعمل في إجازة عيد الفطر، مما دعاه في ظروف العمل إلى الاختلاط بزملاء ومرضى، ولم تنتهِ الإجازة إلا وكان يشعر بالآلام، فبادر إلى أخذ العلاج، حتى وصلت حالته إلى التنويم، ومن ثم التردد بين الاستقرار والتحسن وعدمه، إلى أن كانت إرادة الله تعالى هي الفيصل لتنقل هذا الشاب قصير العمر (32عاماً) إلى الآخرة وهو ينعى نفسه بالإيمان واليقين بقوله:( أثق برب البيت تنجلي هالأزمة حتى لو طالت طمنوا أبوي، وأمي) وقد أدى مناسك العمرة المستحبة، وزيارة الرسول الأعظم، والحج الواجب عام ١٤٤٠هـ. ثم تزوج، وكان عمر زواجه القصير أربعة أشهر.
وآسفاه وآسفاه عليك يا أحمد. آه آه آه يا دنيا. أفٍ لكِ، فلاحياة ولادنيا بعدك يا أحمد بل قول الله تعالى ( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لاتبصرون )
تقديري وشكري للمعزين من سادة ومشائخ، ورجال مال وأعمال، وهيئات رسمية وأهلية، وهيئة طب أعصاب الأطفال وزملائه في المستشفيات وأصدقائه، وقيادات صحية واستشارية، وجميع الأخوة. لكم وافر التحية والسلام وأن لا يريكم حزن ولا مكروه.