الإستثنائية (نحن غير)
طه الخليفة
الإستثنائية مصطلح فلسفي، ابتكره الفلاسفة الألمان في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، ويعني في المجمل، أن لشعب ما، أو دولة، أو مجموعة، أو فرد تميّزاً خاصاً، مما يجعله أسمى من غيره، وعليه فهو يتميّز في الحقوق، عن غيره، وأنه لا يخضع للقواعد العامة.
لم تقتصر ممارسة الإستثنائيه على الألمان، بل أن التاريخ حافل بمن اعتقد بالاستثنائيه، ولا يزال هذا مستمراً، فهناك من يعتقدون أنهم اسمى من يمشي على الأرض، ومن يعتقدون بحقهم بأنصياع العالم لهم لأنهم الأقوى، ومن يعتقدون بأنهم يملكون الحقيقة المطلقة، فهم الناجون، ومصير ما عداهم الضلال، والهلاك.
ربما، أن أول من مارس الإستثنائية هو إبليس، حين رفض أن يسجد كما أمره الله، سبحانه وتعالى، وعزا ذلك إلى أفضليته، لخَلقِه من نار، بينما كان خَلقُ آدم من تراب.
من كل ماذكرناه، يتّضح أن الإستثنائية هي مرض فكري، ونفسي، نابع من الشعور بالاستعلاء على الغير، وأن ممارسه يعتقد أنه غير خاضع للقاعدة العامة، بل مستثنى منها. ولكن المفارقة تأتي، عندما نلاحظ أننا نمارس الإستثنائية، دون أن نشعر أحياناً، وفي جوانب متعددّة من حياتنا كأفراد، ومجتمع، وسنتطرق هنا إلى بعض الأمثلة، التي نعتقد أنها ملحّة، وتستدعي التدارك، علماً بأن الكاتب لا يستثني نفسه عنها:
١- المضاربة في أسواق المال، والسلع باستخدام روافع ماليّة عالية: هذا النوع من الاستثمار، عالي المخاطر جداً، والدراسات أجمعت على أن أغلب المضاربين يخسرون أموالهم، نتيجةً للمخاطر العالية-عاجلاً أم آجلاً- لكن، نجد الكثيرين ينخرطون في هذا المجال، معتقدين “أنهم غير”، وينتهون إلى نفس النتيجة للأسف.
٢- عدم إتباع أصول السلامة أثناء القيادة: إن مايدفع قائد المركبة إلى القيادة بسرعات عالية، أو استخدام الهاتف الجوّال أثناء القيادة، هو الشعور الداخلي بـ “أنه غير”، وبأنه لن ينتهي بتعريض حياته، وحياة الآخرين للخطر، وكأنّه مستثنى من القاعدة العامة.
٣- ضعف التحصيل الأكاديمي: نيل التحصيل الأكاديمي المميّز، والمؤهِّل إلى مستقبلٍ زاهر، يحتاج إلى التركيز، واستقطاع الوقت المناسب للاستذكار، بينما ينصرف بعض الطلبة إلى إضاعة الوقت، وتفويت الفرص، ظنّاً منهم أنهم سيحصلون على التميّز بجهدٍ متواضع.
٤-التقاعس عن بذل الجهد في الحياة المهنيّة، أو مزاولة التجارة: الكثير منّا لا يحرص على التطوّر، وبذل الجهد اللازم لتحصيل مكاسب مرموقه مهنيّاً، أو تجاريّاً، بينما يرفع سقف التوقعات، لشعورٍ بطين، “أنه غير”، وأن النعمة ستهبط عليه دون كدٍّ، وكدح، ومعرفة.
٥- شحّ العمل الجماعي: بينما نعيش في عالمٍ يتصاغر يوما بعد يوم، وتزداد فيه المنافسة الشرسة، وتسوء فيه الأوضاع الاقتصادية عالميّاً، لازلنا نفضل الأعمال الفرديّة، ولم يصل المجتمع إلى فكرٍ جمعيٍّ كافٍ للعمل المشترك.
إن الوضع يعكس حالة اجتماعيّة، تفيد بأننا نظن أن “نحن غير”، وإن شاء الله ليس لنا إلا العافية.
٦- ممارسة العنصريّة، والقبليّة، والطائفيّة، والمناطقيّة، كلها اعراض لمرض الاستثنائية، الذي يجعل ممارسه، يقدّم نفسه على الآخرين، ويظلمهم، ويسلب حقوقهم، بينما يزوي بالمصلحة لنفسه او لما ينتمي إليه.
كل هذه الأمثلة تعكس أنماطاّ من الشعور وممارسة الاستثنائيّة، التي جنحت بإبليس عن طريق الحق، والتي أودت بالكثير من الأمم إلى الهلاك. إنّنا بحاجة إلى التخلص من ممارساتنا الاستثنائيّة الاستعلائية، والتحليّ بالتميّز المبني على الأساسات الصحيحة، وزيادة المعرفة، وبذل الجهود، والتعاضد الإيجابي، ودمتم سالمين.
تويتر: @TahaAlkhalfah
أنستغرام: @taha_hsk