قراءة في قصيدة (رأيت فيما يرى الغافي)
هاني الحسن
عالم التجلي لا يعرفه إلا من ولجه، وكما يقول الصوفيون: من ذاق عرف.
تنطلق شاعرتنا آيات العبدالله من منطلق صوفي في هذه القصيدة التي حوت مفردات التصوف
مثل:
المريد، اليقين، الشك، المخض، الرقص، العرفان، شيخ، مشتاق، ينكشف وغيرها..
وتتكلم حكاية بلسان المذكر وهذه مفارقة أسلوبية في إيصال الصوت من زاوية ربما أكثر عموما وغلبة.
وتنجح الشاعرة آيات في اقتناص المشاهد والصور، فالهارب المتخفف من ثقل صلصاله كما في البيت الأول يتخذ الدرب السالك للسماء في تجلّ مشوب قبل بالشكوك التي تحرفه عن اليقين والحقيقة المحض.
الطرق الصوفي في شعر آيات العبدالله من خلال هذه القصيدة طرق نام وواعد..
وحتى نلج ولوجاً موضوعياً في القصيدة علينا بأن نعترف بأن بعض ما جاء في القصيدة مذهل قياساً بشاعرة شابة من حيث المعرفة والتجربة، ويتحتم – وهذا الذي أفترضه- بأننا أمام شاعرة مثقفة مطلعة على كثير من العلوم كالفلك والفلسفة وقرأت من كتب التصوف ما يكفي..
هناك أبيات تغرقك في الدهشة مثل هذه الأبيات:
رأيتُ ممّا يرى الغافي بمخدعهِ
نور الجلالة يأتي ثم ينصرفُ
رأيتُ وجهكَ في الزهّاد أخيلةً
مقدار ماعَرجوا حُبّاً وماعَرفوا
والأنبياء أراهم فيَّ قد سكنوا
حتّى تناسلَ من أنوارهم خلفُ
على أن هذه الأبيات مع وافر دهشتها إلا أن تقتلك بهذا البيت:
أدورُ حولكَ والأجرام تتبعني
والنجمُ طوعاً على جنبيّ ينعطفُ
إنني أدعي بأني أبدل بهذا البيت نصف قصائدي لصاحب هذا البيت أو صاحبته ..!!
مرورا بهذه القصيدة وقصائد أخرى فإني كذلك أطرح تساؤلات أخرى من قبيل أن الطرق الصوفي مكثف فقط في هذه القصيدة، لماذا لا نجد قصائد أخرى لآيات هكذا !!
أم أن هناك قصائد خلف الستار تحمل نفس هذه الملامح من التجربة!!
أدعو شاعرتنا لأن تخرج لنا معتقاً من معتقات من هذه التجارب المهمة.
كذلك لمحت من خلال هذه القصيدة وقصائد أخرى أصداء لشعراء آخرين، وهذا طبيعي وربما كامن في لا وعيها ونما من التأثر إلى التأثير، وهذا ما أدعوه إليه بأن تنتقل للفعالية لا الانفعال حين الكتابة، ومن الانفصال الذاتي عن مشيمة ما أعجبها.
فعلى شاعرتنا الشابة أن تخرج من قمقمها الأصوات التي تجترح تفرده، فهي جديرة بذلك راسمة لها لونها الخاص الفريد.
وعليها كذلك متابعة القراءة والمطالعة في النحو والأدب والعلوم الأخرى ، فهي موهوبة بحق وصاحبة إحساس شفاف، ومن الشاعرات القلائل قياسا بالعدد الذكوري الغالب وإن لم يكن كله بذات الجودة.