صالح وصاحبه
طه الخليفة
جلس ذات يوم صديقان، في الخمسينات من عمرهما، قد جمعهما عقود من الزمن، وتجارب وأفكار، وأحياناً بوحٌ وشكوى، يتجاذبان أطراف الحديث. قادهما الحديث الى القيمة التي يضيفها الإنسان إلى الناتج البشري، فالإنسان يدخل هذه الحياة ويخرج منها، بعد ماشاء الله من السنوات، فإن خرج دون إضافة تذكر، كانت حياته عبثيّة ودون قيمة.
قرر الصديقان، أن يقيّما ما قدّماه للبشريّة، فتذاكرا تحصيلها العلمي، ونائج مشاركاتهما العمليّة، وتكوين ورعاية أسرتيهما، و إعداد نشءٍ جديد بدأ يساهم في الناتج البشري. ولكنّهما، بعد نقاشٍ ليس بالقصير، اقتنعا بأن ذلك كان جيّداً، ولكنّه ليس مميزاً، فهذا ما يفعله الكثيرون.
بعد أن تفرّق الصديقان، وعاد كلٍّ منهما إلى بيته وأهله، ليمارس حياته الروتينية، بدأ صالح يفكّر مليّاً في مادار بينه وبين صديقه من حديث، مع شعورٍ بالأسى على محدوديّة ما قدمّة في الخمس عقود التي انقضت من عُمره. مازاد شعوره سوءً، أنه بحث في الشبكة العنكبوتيّة من خلال “قوقل”، الذي يكاد أن لا يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا وقد أحصاها، عن إسمه، فلم يجد له ذكراً، إلا من خلال حساباته في قنوات التواصل الاجتماعي. دفعه فضوله للبحث عن أسماء بعض أقرانه وزملائه، في مراحل الدراسة والعمل، فوجد لبعضهم إنجازات فكريّة وعمليّة. أحسّ صالح بالغبطة، وسرح بفكره متخيّلاً نسخاً من روحه، قد حققت إنجازات وإضافات للناتج البشري، لكنّ ذلك لم يحصل.
أخذ هذا الشعور من صالح كلّ مأخذ، فصار يحاسب نفسه كثيراً ويلومها على عدم بذل الجهد والسعي لتكون له بصمته الخاصّة، بصمة تخلّد ذكره بين صالحي البشر، ويذكره بها، ويدعو له من أجلها، أبناءه وأحفاده، وربما كثير من البشر.
قرر صالح أن يغيّر ذلك فيما بقي له من العمر، ودعى الله أن يمدّ بعمره ليتدارك الأمر.
يتمتّع صالح بعدة إمكانّيات مميّزة، فقرر أن يستثمرها بهذا النحو:
١-استثمر قدراته البحثيّة والتقنيّة في مجال الهندسة الكيميائيّة، فكان الناتج خمسة أوراق عملٍ نشرت في مجلات ودوريّات عالمية، أسهمت في زيادة الفعاليّة في استخلاص المشتقّات الهيدروكربونيّة من النفط الخام.
٢- أنشأ صالح وبعض زملائه، ممن لديهم خبرات استثماريّة في الأسواق الماليّة، تَجمّعاً استثمارياً، ووضعوا له قوانين حوكمة، وسجّلوه رسمياً، وخصّصوا نسبة من أرباحه لدعم الجمعيّات الخيرية.
٣- وظّف صالح خبرته في إدارة الحوارات، بإفتتاح قناة ثقافية على يوتيوب وإدارة حواراتٍ إسبوعيّة، مع متخصصين في مجالات معرفيّة وعلميّة وتطبيقيّة متنوعّة.
بعد خمس سنوات وقبل أن يصل صالح إلى سنّ الستين، راجع صالح ماحققه، فإذا به قد نشر خمس أوراق بحثيّة، ساهمت في خدمة إقتصاد الوطن، ودعم الجمعيّات الخيريّة بأكثر من مليون ريال، وأضاف أكثر من مائتي حلقة معرفيّة ساهمت في نشر الفكر والمعرفة، ولا زال صالح يعمل على المزيد، والشبكة العنكبوتيّة تسجّل.