هكذا أُسدل السّتار على صحّة الأحساء
علي محمد الحاجي
بعد توقيع الإتفاقيّة بين الشّؤون الصّحيّة بالأحساء والتجمّع الصّحي الأوّل بالأحساء، تتحوّل صحة الأحساء من إحدى أكثر الدوائر الحكوميّة صخباً وازدحاماً بالإنجاز والمشاريع الكبيرة وجذباً للوظائف والمستثمرين والمراجعين، إلى واحدة من أهدأ الدوائر الحكوميّة وأبعدها عن ضجيج الصّحافة واهتمام المواطنين بها؛ لأنّ علاقتها التشغيلية بمستشفيات وزارة الصّحة انقطعت وتحوّلت إلى نفس علاقة الشّؤون الصّحيّة بالمستشفيات الأهليّة حالياً، فدورها الآن ينحصر بالدور الإشرافي ووضع ومتابعة الخطط العامة للإستراتيجيّة الصّحية بعد التحوّل الحكومي الكبير الذي تشهده المملكة العربيّة السّعوديّة.
ومنذ إنشاء الشّؤون الصّحيّة بالأحساء تعاقب على إدارتها العديد من أبناء الوطن سواءاً من الأحساء أو من مدن المملكة الأخرى، ومرّت صحّة الأحساء بفترات ركود وفترات إنجازات كبيرة مثّلت العصر الذّهبي لها خلال مسيرتها التي قاربت الأربعين عاماً.
وفي هذا المقال سنستعرض هذه الفترة الذّهبيّة لنتعرّف على من كان وراء هذا النّجاح الذي نقل صحّة الأحساء هذه النّقلة النّوعيّة، والتي لا زالت تعيش صحّة الأحساء آثارها وتستفيد من خدماتها الكبيرة إلى يومنا هذا.
لفترة ليست بالقصيرة اقتصرت مستشفيات محافظة الأحساء على مستشفى الملك فهد بالهفوف، ومستشفى الأمير سعود بن جلوي (المستأجَر)، ومستشفيين صغيرين بسعة خمسين سريراً هما: مستشفى الجفر، ومستشفى مدينة العيون، ثم حدثت النّقلة النوعيّة بإستحداث مشاريع كثيرة بعضها متبرّع به، وبعضها جاء كتوسعة للمستشفيات الموجودة، وبعضها مشاريع جديدة بالكامل، فمن كان وراء هذه الإنجازات الاستراتيجية الكبيرة؟!
جاءت الإضافة الجديدة بعقد الشّراء التأجيري لمستشفى الولادة والأطفال، ثم بالتبرّع الكريم من عائلة الجبر العريقة بمركز الكلى، ومستشفى العيون والأذن والأنف والحنجرة، ثم تبرع رجل الأعمال عبدالرحمن الراشد بمبنى للأطفال، وتبرّع الشيخ حسن العفالق بمستشفى للرعاية الاساسية، وخلال ذلك خطت صحّة الأحساء خطوات كبيرة في توسعة مستشفى الولادة والأطفال وإنشاء قسم للعناية المركّزة للأطفال وحديثي الولادة، وإنشاء مبنى لطب الأسنان، ومبنى لأمراض السّكر، ومبنى اللجنة الطبيّة العامة، وإنشاء مبنى الإسعاف بمستشفى الملك فهد بالهفوف، وإنشاء مستشفى جديد للصّحة النّفسيّة، وإنشاء مستشفى سلوى العام، وإنشاء مبنى مستشفى الأمير سعود بن جلوي الجديد، وإنشاء العديد من مراكز الرّعاية الصّحيّة الأوليّة، ومن ثمّ إنشاء كلاً من مستشفى الملك فيصل، ومستشفى العمران.
ورغم تعاقب عدة مدراء على الشّؤون الصّحيّة بالأحساء، بإختصاصات مختلفة واهتمامات متنوّعة، إلا أنّ الإنجاز استمر بتميّز عالي، وبتسارع ملحوظ وصل ذروته بإعتماد إنشاء مستشفيين بسعة 500 سرير لكل منهما، ومستشفى للولادة والأطفال بسعة 400 سرير يرافقهم العديد من المشاريع المتخصّصة، وفي رأيي الشّخصي يعزى ذلك الإنجاز المتميّز والمُتسارع لوجود شخصيتين قياديتين منجزتين في صحّة الأحساء:
أولهما: هو المهندس “سلمان بن طاهر العمران”
الذي كان بالفعل (الدينمو) المحرّك لنهضة صحّة الأحساء وإقرار وتنفيذ هذه المشاريع التي أشرنا إليها وغيرها الكثير، فقد استطاع من خلال شخصيّته القياديّة النّافذة، ومن خلال علاقاته الوطيدة سواءاً في وزارة الصّحة أو وزارة الماليّة أو وزارة الشّؤون البلديّة والقرويّة، من التمهيد لهذه المشاريع وتذليل العقبات التي كادت أن تعطل أو تؤدي لتعثر تنفيذها، ولكلّ مشروع منها عقباته المتنوّعة من عدم صلاحيّة الأرض للإنشاء -مثلاً-، أو للخلاف على موقع الأرض الأخرى، أو للمشاكل الفنّيّة والتّنفيذية المختلفة التي استطاع بحنكة وقوة إرادة من تذليلها والاستمرار بتنفيذ هذه المشاريع التي تقدّم اليوم خدماتها الجليلة والكبيرة للمواطنين والمُقيمين على حدٍّ سواء.
والمهندس سلمان العمران كان مساعداً لمدير الشّؤون الصّحيّة للشّؤون الهندسيّة، وعاصر العديد من مدراء الشّؤون الصّحيّة الذين وسّعوا له من الصّلاحيّات كلّما رأوا من إنجازاته وتميّزه، وكان له دور كبير وهام في تحديث وتطوير تجهيزات المستشفيات الطبيّة والغير طبيّة، وأيضاً في تشغيل المستشفيات الجديدة والذي يعتبر تحدّياً صعباً جداً، ويحتاج بالإضافة لتهيئة الموارد المتعدّدة إلى إرادة قويّة وإقدام وتخطيط متقن، وإلى شخصيّة قياديّة متميّزة تزيل العقبات ولا تستسلم لها، وكلّ هذه المميّزات اجتمعت في شخصيّة المهندس سلمان العمران.
الشّخصيّة الثّانية: التي تزامن وجودها في صحّة الأحساء خلال هذه الفترة الذّهبيّة هو الأستاذ “عبد اللطيف بن عبد الله العرفج”
والذي شغل منصب مساعد مدير الشّؤون الصّحيّة المالي والإداري، وكان له دور كبير في الإرتباطات الماليّة واستحداث الوظائف الفنّيّة والإداريّة لهذه المشاريع الحيويّة والإستراتيجيّة كما استطاع من خلال ترؤوس العديد من اللجان من تذليل المعوّقات الكثيرة في هذا المجال تمهيداً لتشغيل وتطوير هذه المشاريع، ورغم تعاقب العديد من مدراء الشّؤون الصّحيّة، فقد كان يقوم أيضاً بأعمال “مدير الشّؤون الصّحيّة بالإنابة” بالإضافة إلى عمله.
وقد استطاع من خلال شخصيّته القياديّة من المساهمة الفعّالة في نهضة الشّؤون الصّحيّة بالأحساء خلال هذه الفترة الذّهبيّة التي امتازت بكثرة وتنوّع المشاريع وتطوير القدرات المتعدّدة سواءاً البشريّة أو الخدميّة، وتحديث وتطوير التّجهيزات والأثاث لمستشفيات المحافظة من خلال حجز المبالغ الماليّة اللازمة لها، والإرتباط عليها لسنوات متعددة. فقد كان فعلاً أحد أهم الشّخصيات الرّائدة والفعّالة التي تركت بصمتها الواضحة في نهضة صحة الأحساء.
إلا أنّ فقد صحّة الأحساء كلا الشّخصيّتين خلال فترة وجيزة أفقدها الزّخم العالي الذي كان يدفعها نحو الإنجاز المستمر وتحقيق أهداف الوزارة العالية والمتميزة، فقد انتقل أولاً الأستاذ عبد اللطيف العرفج للعمل لدى أمانة الاحساء، في خطوة تشير إلى شخصيّته القياديّة والمحنّكة حين رأى أن بيئة العمل بصحّة الأحساء لم تعد محفّزة للإنجاز والتميّز والإبداع.
كما أُقصي (للأسف) المهندس سلمان العمران من إدارة الشؤون الهندسيّة إلى موظّف في قسم الصيانة بمستشفى الجبر للعيون والأذن والأنف والحنجرة، وبقي لمدة تقارب أربع سنوات كقدرة كبيرة وإمكانات شخصيّة معطلة لا يُستفاد منها ومن خبرته المتراكمة قبل أن ينتقل لجوار ربه الكريم في عام 1437 هـ.
وبرغم حصوله قبل ذلك على عروض مشجّعة من قِبل شركات تشغيل وإنشاء المستشفيات، إلا أنّه فضّل البقاء في الوظيفة الحكوميّة لخدمة الوطن والمواطنين، استشعاراً منه بحسّ المسؤوليّة تجاه وطنه الكبير وخدمة للمواطنين والمجتمع.
الملاحظ أنّ بعد هذه الفترة لم تنجز الشّؤون الصّحيّة أيّ مشروع كبير أو استراتيجي، بل إنّ بعض المشاريع التي أنجزت “ولم يتم تشغيلها بكامل قدرتها” كمستشفى الملك فيصل، ومستشفى العمران كانت قد وضعت على مسار التنفيذ خلال الفترة الأخيرة لوجود المهندس سلمان العمران كمساعد للشّؤون الهندسيّة، ولو تأخّرت قليلاً لربما تعثّرت كالمستشفيات الثّلاثة التي خسرتها محافظة الأحساء “بسعة إجمالية تصل الى 1400 سرير” والتي كانت ستحدث نقلة نوعية هائلة لصحة الأحساء، بالإضافة إلى خسارة الأحساء ايضاً العديد من المشاريع الإستراتيجيّة، كمبنى التموين الطبي والمختبر الإقليمي، ومبنى عيادات الأسنان بسعة 100 كرسي، ومبنى الأورام.. وغيرها.
لستُ أُحاول في هذا السّرد أن أرسم صورة مثاليّة متكاملة للشّؤون الصّحيّة بالأحساء خلال هذه الفترة، فلكلّ مؤسّسة ولكل مشروع إيجابيّاته وسلبيّاته؛ لكن لأسجل للتأريخ و من خلال هذه الزّاوية -المشاريع الإستراتيجيّة- أنّ العامل البشري هو أهم ما يرتكز عليه التميّز والنّجاح، بغضّ النّظر عن الظّروف المحيطة، فالقدرات الشّخصيّة المتميّزة والمثابرة، تستطيع صناعة وقهر الظّروف الصّعبة وتحويلها إلى مسارات نجاح، ولكي نحفظ لمثل هذه الشّخصيّات إنجازاتها وتضحياتها لخدمة الوطن والمجتمع.
وكما يحق لنا انتقاد القصور في أداء الخدمات، فمن واجنا الإضاءة على المنجزات، وتقديم الشّكر والإمتنان لمن قدم هذه الخدمات الجليلة والمتميّزة وساهم في إنجاحها.
ولكي نشير أيضاً إلى أن الإخفاق في تنفيذ بعض المشاريع الإستراتيجيّة التي خسرتها صحّة الأحساء يعود لإقصاء وخسارة مثل هذه الشّخصيّات المتميّزة والمتمكّنة، والتي تراكمت لديها خبرات قويّة وعميقة من خلال إنجازاتها المستمرّة، ولو قدّر الله استمرار أحدهما في عمله لربما لم يتعثّر تنفيذ المشاريع الكبرى التي خسرتها (للأسف) صحّة الأحساء.