التوازن بين الأصالة والتطوير
طه الخليفة
يحكى أنّ إحدى شركات تصنيع سيّارات السباقات السريعة، كانت في منافسة شديدة مع إحدى نظيراتها، على تسيّد عرش البطولات السنويّة. تناوبت الشركتان على الفوز بالبطولات، ولكن الكفّة كانت تميل لصالح الشركة الأولى قليلاً، وذلك لسببين رئيسيّين:
1 – الأفضليّة في تصميم المحرّكات، مما يجعلها أكثر فعاليّة في إنتاج الطاقة. يقوم بالتصميمات فريق عمل، يترأسه خبير هندسي ذو خبرة واسعة، ويشارك فيه فريق عملٍ متعاون.
2 – التعاقد مع سائق محترِف، لا يقل كفاءة عن نظيره لدى الشركة المنافسة، إن لم يكن يتفوّق نسبيّاً أيضاً.
هذان العاملان، أعطيا أفضلية للشركة لمدة ليست بالقصيرة، ولذلك مالت الكفة لصالحها في ارتقاء منصّات التتويج بالبطولات.
في خضم تغييرات إداريّة على إثر تقاعد رئيس الشركة، تولّى الرئاسة التنفيذيّة شخصٌ جديد، تمّ استقطابه من قطاع صناعة السيّارات الفارهة. كما يحصل غالباً، قام الرئيس الجديد بتغييرات إداريّة في المراكز الحسّاسة، وجلب بعض الإداريين من معارفه الموثوقين في عالمه السابق. بعد مراجعة الأداء، وضع فريق الإدارة الجديد نصب عينيه هدفاً بأن يكون مظهر السيّارات المشاركة في السباقات أكثر جاذبية، وتميزاً، وأرادوا اكتساح المنافسين في حلبات السباق، والتفرّد بارتقاء منصّات التتويج.
لتحقيق الهدف، تم تشكيل فريق عمل مستقل، يعمل على التصميم الخارجي، ووضع على رأسه مُصمِماً ذا خبرة في تصميم السيارات الفارهة، والجذابة، وكانت مهمّة الرئيس الأساسيّة، هي التميّز في الشكل الخارجي. أيضاً، تم تطعيم الفريق الفنّي القديم بعناصر جديدة، للعمل بجرأة أكبر على تصميم محركات مُتفوّقة الأداء، لضمان اكتساح المنافسين في السباقات.
تقدّم فريق التصميم الخارجي في عمله، ووصل إلى شكلٍ خارجي مميّز جداً عن التصاميم المعتادة في عالم سيّارات السباقات، ولكنّ التصميم كان أقلّ كفاءة من حيث الانسيابية، وتعامله مع ممانعة الهواء. الإدارة وافقت على التصميم رغم ملاحظات الفريق الفنّي لتصميم المحرّكات، وطالبت الفريق بتعويض فارق الكفاءة الخارجيّة، من خلال زيادة كفاءة المحرّك. في عمله على تصميم المحرّك، اضطر الفريق الفنّي للعمل على رفع الفعاليّة على حساب الجودة/الموثوقيّة، لتعويض الخسارة في كفاءة التصميم الخارجي.
شاركت الشركة بتصميمها الجديد في أكثر من سباق، وكانت النتيجة:
1 – أعطال ميكانيكيّة أخرجت سيّارتها من المنافسة في عدة مسابقات.
2 – ميلان كفة التتويج بالبطولات للشركة المنافسة.
3 – خسارة عوائد ماديّة من الرّاعين، على إثر توجّه جزء منهم إلى الشركة المنافسة.
4 – فقدان المناصرين من الجماهير، بسبب التصميم الجديد المفتقر لروح الأصالة في التصميم الخارجي، وتدنّي الأداء.
كان ذلك درساً قاسياً للشركة، مضمونُه أن التوازن بين الأصالة، والتطوير مطلب أساسي، وأن ركوب موجات التطوير دون ركائز عميقة، وقويّة، يفضي إلى نتائج عكسيّة.
تم إقالة المدير التنفيذي، وترقية أحد المدراء ذوي الخبرة إلى المنصب لترميم ما حصل.