الأحساء تنعى شيخ الأدباء
علي بن حسن القريني
رحم الله الفقيد السعيد العم أبو سمير الرمضان الشاعر الأديب المربي الإنسان. تعرفت عليه من خلال سيرته ابتداءً من كتاب (الأزهار الأرجية ) للمقدّس الشيخ فرج العمران القطيفي المتوفى سنة ١٣٩٨هـ وهو (كتاب مذكرات) فقد ورد في هذا الكتاب أن الشيخ فرج رحمه الله التقى بأبي سمير وأخيه الحاج جعفر رحمهما الله في دمشق عاصمة الجمهورية السورية أثناء تواجدهما فيها مع عدد كبير من الأحسائيين للعمل في الخياطة،
وكان تعرفي على أبي سمير رحمه الله على مائدة الزهراء عليها السلام في الحفل الفاطمي (مولد الزهراء) الذي نتشرف فيه بخدمة الزهراء بمعية مؤسسه وراعيه المربي والأديب الخطيب الأستاذ الملا محمد صالح المطر (حفظه الله) منذ العام ١٤٠٤ هـ. فقد كانت له – رحمه الله – مشاركات شعرية مستمرة لمدة سبعة أعوام تقريباً. كان حضوره يشكل فرصة كبرى لنا وموسماً ثقافياً أدبياً مميزاً؛ فبعد الحفل كان يجمعنا عشاء وفي اليوم التالي يجمعنا غداء على شرف الزهراء للكوادر في أحد المزارع، وكنا نقضي برفقته يوماً جميلاً نتحلق حوله نلتذ بسماع أطروحاته الأدبية والتاريخية وفي كثير من فروع المعرفة فقد كان الرجل موسوعياً، إضافة إلى ملكاته الشخصية من جاذبية العرض والتأثير في المستمع.
أكثر ما شدني إليه:
أ سعة وعمق الثقافة وشموليتها، وذلك من أصول ومباني ثقافته بحكم ما تضمنته حياته من هجرات (العراق، سوريا، وغيرها) البلدان التي تعد مراكز ثقافية ومعرفية فلم يقتصر على طيف فكري معين بل كان منفتحاً على كافة الثقافات والأفكار والأطياف مما شكل ثقافته الموسوعية الرائدة. وهنا أسجل إعجابي فرغم تعدد المناهل الثقافية لم تخرجه من دائرة ثقافته الأصيلة، ولم نره يشطح يميناً ويساراً كحال أدعياء الثقافة في عصرنا ممن لم يبق ولم يذر، كافراً بكل ثابت ومتمرداً على الموروث الديني والاجتماعي، ولم نره متشدداً نحو رؤيته العقدية والدينية والاجتماعية كحال بعضهم. فقد كان الرجل الوسطي المنفتح.
لم يكن هم أديبنا الراحل البروز – وهو آفة هذا العصر الفتاكة – وإنما كان همه بناء النفس وتربيتها وبناء مشروعه الثقافي والاستثمار فيه وفي رأيي الخاص أن هذا عامل مهم.
ب -تواضع الرجل، الذي يعين من يقترب منه ليستفيد من معينه فقد كانت الأخلاق الكريمة والتشجيع والأدب الراقي سمات تميز روحه ومجلسه.
ج – هندامه واعتناؤه بنفسه ولباسه. وهنا أسجل لقطة في بداية معرفتنا به، وقد كنت على معرفة بأخيه المرحوم (العم أبو حسن) قبله وسألت العم أبا حسن: “هل العم أبو سمير يأتي بعدك في الترتيب العمري مباشرة؟”. فضحك العم أبو حسن كثيراً وقال: “أبو سمير يكبرني بما يقرب من عشر سنوات”. ظننتها دعابة من العم لم أصدق نظراً لحيوية وهندام وشباب العم أبي سمير.
ختاماً، أدعو الباحثين لدراسة هذه الشخصية المرموقة وتحليلها خصوصا في بعديها الاجتماعي والنفسي؛ لتكون أنموذجا نستفيد منه في حاضرنا خصوصاً الشباب الطموح الواعد. أسال الله له ولأخيه أبي الحسن وللمؤمنين والمؤمنات الرحمة والمغفرة. وأرجو الله أن يخلف على أهله وعلى الأحساء خلفاً صالحاً ويعوضنا عن فقد هذا الأديب الرائع (إلى جنان الخلد).